Al Jazirah NewsPaper Monday  29/12/2008 G Issue 13241
الاثنين 01 محرم 1430   العدد  13241
جدل..لا ينتهي
عبدالعزيز السماري

كثر الحديث مؤخراً عن وجود خطة لفتح دور سينما في المدن الكبرى، وظهرت النية جلية في عرض فيلم سينمائي محلي مؤخراً، وكما هي العادة بدأ الحوار بين فئات المجتمع عالياً ومتشنجاً، ودخلت العامة في دوامة كسابقاتها لكنها عادة ما تخرج منها مؤقتاً باللجوء إلى المفتين لأخذ رأيهم في حكم فتح دور السينما، ثم تضعف تدريجياً أمام خيار الاستمتاع بكل جديد، والجدير بالذكر أن مصادر الفتوى في بلادنا لها منارات متعددة، وأيضاً خطابات واتجاهات مختلفة، وقد تكون متضادة في بعض الأحيان..

فبعضهم على سبيل المثال يطرح فتواه في المستجدات بصورة حادة كالقول: إن السينما كلها شر ويجب محاربتها، وهي رؤية شمولية لا تعترف بالتفصيل، بينما يحاول علماء آخرون التفصيل في هذا الأمر والقول: إنها أي السينما مثلها مثل الشاشة الكبير للتلفاز في بعض المقاهي الكبيرة خارج المدينة، لكن الفرق أن السينما تستطيع التحكم فيما تعرض بينما يصعب التحكم فيما يظهر على أكثر من ألف قناة يتم استقبالها عبر الفضاء..

خلاصة القول: إن الجدل حول دور السينما مكرر، وقد سمعنا وقرأنا مثل هذا الحوار من قبل في قضايا مشابهة، وتعلمنا من سيرة هذه الخلافات أن القول الفصل في هذه القضايا الخلافية يحكمه في آخر المطاف أهواء الناس التي يستثمرها بنجاح مجتمع السوق إذا لم تفرض السلطة حكم الفتوى بحزم وشدة، فقوة السوق الاقتصادية عادة لا تستسلم، ودائماً ما تنجح في فرض ما تريد في المجتمع، وأتذكر جيداً فترة فتح محلات الفيديو لبيع الأفلام التي انتشرت بسرعة مذهلة برغم من محاولات بعض المؤسسات الدينية لإيقاف توزيعها للأفلام..

لا يخفى على متابع وجود اهتمام اقتصادي قوي خلف إنشاء دور السينما، ويملك استثمارات عالية في سوق الإعلام والفن والموسيقى، ويرغب في الدخول إلى السوق السعودية المغرية، وسيضع هذا اللوبي ثقله في إدخالها للسوق كما نجح سابقاً في تمرير أجهزة الاستقبال الفضائي وقنوات التشفير الفضائي التي تعرض يومياً آخر الأفلام عبر وسيلة الدفع المسبق برغم من كل فتاوي التحريم السابقة..

تساعد طبيعة المجتمع الاستهلاكي السوق المحلية على استغلال الوسائل الترفيهية لغرض الاستثمار المادي، والدليل فترة الإجازات التي تتميز بهجرة جماعية إلى الدول الخليجية المجاورة من أجل البحث عن المتعة، وهو ما يعني أن مصادر الإفتاء في المجتمع عليها البحث عن وسائل جديدة للتعامل مع التغيير الاجتماعي، ولعل تجربة الاستسلام الأخيرة وإقرار مشروعية بيع أجهزة البث الفضائي في السوق المحلية برغم من مطاردة الهيئة المستمرة لمحلات بيعها في المدينة خير دليل على عدم جدوى المواقف المتشنجة والشمولية، وكما هو معروف دخلت بعض التيارات الدينية في هذا المجال بعد نجاح تجربة قناة المجد وانتشرت القنوات الإسلامية، وتم الاحتفال بهذه الهزيمة أمام نفوذ الاقتصاد بظهور الوعاظ الدينيين في الإعلام الفضائي مهما كان توجهه..

لذلك من المستحسن أن تتم مواجهة النفوذ الاقتصادي القوي، بمطالبات أو بفتاوى إجماع تطالب مثلاً بمنع الاحتكار بشكل عام، وبتقنين العمل في مجالات الإعلام الفضائي والسينمائي وإلزامه بالأدب العام، وذلك من أجل فتح المجال لمختلف التيارات لممارسة ما تراه مناسباً أو حلالاً إن صح التعبير، بدلاً من إعلان المقاطعة ثم ترك المجال مفتوحاً لتيار محدد للوصول إلى أهدافه في كسب المال عبر احتكار سوق السينما والبث الفضائي وأجهزتها، كما أرجو أن تخرج فتوى تستنكر عدم تعريب مصطلح سينما، أو تضعه شرطاً للسماح بها في السوق السعودية..!!


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد