Al Jazirah NewsPaper Monday  29/12/2008 G Issue 13241
الاثنين 01 محرم 1430   العدد  13241
ماذا ستفعل الوزارة بالعنف الأسري ؟
د. عبدالرحمن الحبيب

تتناقل وسائل الإعلام السعودي بشكل يومي أخبار حوادث عنف أسري بشعة جداً ويصعب تصديقها، أو تصديق أن فاعلها يمكن أن يكون إنساناً سوياً.. فهل هذه الظاهرة حديثة وطارئة أم أنها قديمة كشفها الانفتاح الإعلامي، وأظهرتها لنا المكاشفة والشفافية من قبل الأجهزة الرسمية..

وما هي الأسباب وكيف الحلول؟

لكي يكون المصطلح واضحا، فالعنف يقصد به هنا أي اعتداء جسدي كالضرب أو معنوي كالترهيب والتحقير أو مصادرة حقوق كالاستيلاء على الراتب والممتلكات أو العضل (المنع من الزواج) أو الحرمان من الحقوق كالتعليم والعمل ..الخ.

أعتقد أن تنامي ظاهرة العنف الأسري في مجتمعنا السعودي بهذه الحدة كماً ونوعاً، هي ظاهرة جديدة، فالمجتمع التقليدي السابق كان الضبط الاجتماعي فيه يعتمد أساساً على العادات والتقاليد للأُسر ومحيطها الاجتماعي، حيث كانت أغلبية السكان تتركز في الأرياف والبوادي والبلدات الصغيرة، والمشكلات الأسرية فيه أقل تعقيداً، حيث الأسر متقاربة ومترابطة قياساً بما هي عليه الآن. وعندما يحصل اعتداء داخل الأسرة من أحد أفرداها تتم السيطرة على المعتدي أو على المشكلة من أطراف عديدة داخل المنظومة الاجتماعية التقليدية. فمثلاً الزوج المعتدي على زوجته لم يكن يفلت من عواقب جرمه بسهولة، دون تدخل المجتمع الضيق الصغير والمحيط حوله.

أما الآن، ومع توسع المدن وكبر حجمها انعزل كثير من الأسر عن بيئته الاجتماعية التقليدية وابتعد عن محيطه العائلي الكبير التقليدي، مما يجعل المُعَنِّف (مستخدم العنف) في منأى عن مراقبة أفراد العائلة الكبيرة أو المجتمع التقليدي البسيط أو الرقابة الرسمية الشرعية التي كانت قريبة منه وتلاحظه في السابق وتردعه زمن القرى والبوادي والمدن الصغيرة.

والمشكلة الكبرى هنا أن الأنماط الاجتماعية المعيشة تغيرت مع توسع المدن، لكن القيم الاجتماعية (العادات والتقاليد) ظلت كما هي.. فمثلاً، ظل المفهوم التقليدي للعيب من الشكوى ضد الأسرة على نفس الوتيرة السابقة ما قبل توسع المدن.. فالتي تتعرض للأذى من أحد أفراد الأسرة عليها الصبر والمسايسة منتظرة تغير عدوانية المعتدي بأساليب غير مجدية حالياً، لأنه لا يوجد من يردعه أو يقنعه نتيجة انعزاله.. وكان لهذه الطريقة منفعة في السابق، لأن المجتمع المحيط بالأسرة كان يحس ويرى معاناة الضحية ويتعاطف معها، بينما هو الآن بعيد ومنقطع عنها..

ومفهوم العيب بهذه الطريقة التقليدية يمكن أن نلاحظه عند مناقشة كثير من الناس، ونجدها في طريقة تفكير كثير من الرسميين في الجهات الحكومية (الشرطة، القضاء، الشؤون الاجتماعية ..الخ).. فهناك البعض من مدراء المراكز الرسمية يستقبلون المشتكية بشروط ترتكز على مفاهيم تقليدية خاطئة وغير نظامية وغير شرعية.. مثل ضرورة وجود ولي أو محرم معها عندما تقدم شكوى.. ومثل أنه من المعيب أن تأتي امرأة وتشتكي على أهلها، ومثل الاعتقاد أن مثل هذه المرأة قد تكون مختلة نفسياً أو عقلياً، أو خارجة على العادات والتقاليد، رغم أن هناك مسؤولين ومشايخ وقضاة ومحامين وأخصائيين اجتماعيين وأكاديميين أكدوا وبوضوح أنه ليس هناك أية مادة نظامية أو شرعية تستلزم إحضار الولي، وأن أية امرأة تتعرض للعنف يمكنها الحضور للشكوى مباشرة، وأن مسألة الولي والمحرم هدفها هو التعريف بالمرأة فقط.. وأنه في حالات الطوارئ والنجدة ليس هناك شرط حتى للمعرِّف، ويمكن إيواء المتعرضة للأذى في دور رعاية خاصة بذلك.

والطامة الكبرى في الإصرار على مثل هذا الفهم التقليدي أن الولي أو المحرم قد يكون هو الجاني في بعض القضايا!! وثمة مشكلة أخرى هي أن هناك حالات كثيرة يرفض فيها الولي أو المحرم الذهاب مع المشتكية بسبب مفهوم العيب!! وهناك حالات يشترط بها الولي على المشتكية بعض الشروط ويطالبها ببعض التنازلات عن حقوقها (ابتزاز)..

من تلك المفاهيم التقليدية وما تنتجه من طريقة في التعاطي مع قضايا العنف الأسري، ينتشر بين ضحايا العنف من النساء شعور بلا جدوى رفع الشكوى.. أضف إلى ذلك أن كثيرات من ضحايا العنف هن بالأساس لا يعرفن حقوقهن، لأنه قد غُيِّب عنهن، أو تم إقناعهن بان كثيراً من تلك الحقوق هي للرجل وليست لها، وأن كثيراً من الاعتداءات هي ممارسات طبيعية من حق الرجل.

لا أقصد مما ذكرت أن السبب الوحيد لتنامي ظهور العنف الأسري هو الانتقال من حياة المجتمع الصغير الموحَّد في البلدات والقرى إلى المجتمع الكبير المشتت في المدن الكبيرة.. فهناك أسباب رئيسية أخرى كالفقر والمخدرات والجهل.. وهناك أسباب مساعدة كضعف التوعية الحقوقية.. سواء التوعية بوجود أنظمة تحمي الضحايا، أو التوعية بمعرفة الإجراءات لتنفيذ هذه الأنظمة.

وهنا يأتي العلاج، وأعتقد أن الدور الرئيسي للعلاج هو المعالج الرسمي، وهو هنا وزارة الشؤون الاجتماعية.. فمن الضروري أن تدعم الوزارة جمعيات حماية الأسرة.. وأن تعمل على تفعيل أنظمة وقوانين تحمي ضحايا العنف وتعاقب بشدة الجناة.. والإسراع بتنفيذ مشاريع الحماية الجديدة، مثل لجان حماية الأسرة التي سيكون لها مبان ودور تلجأ إليها الضحايا من النساء والأطفال عندما لا يجدون مأوى.. وقد سمعنا عن قرب صدور نظام جديد لحماية أعضاء الأسرة، نتمنى أن يكون متابعاً بحرص وفعالية من الوزارة، خاصة أن وزير الشؤون الاجتماعية معروف عنه الحرص الشديد في هذا الموضوع.

هذا العلاج من المهم أن يتبعه إصدار المزيد من أنظمة الحماية وتشديد العقوبة على المعتدين وتحسين وسائل وطرق الحماية، فلا يكفي فقط أن تصل الشكوى من الضحية، بل لا بد من إيجاد أساليب مراقبة فعالة وقبول شكوى من ينيب نفسه عن الضحية التي لا تستطيع التقدم بالشكوى وغير قادرة على التبليغ.. مثل أن يتم البلاغ من طرف آخر إذا كانت الضحية في حالة خوف، فالأنظمة تقبل ذلك.. والأنظمة وحدها لا تكفي بل من المهم جدا التوعية بوجودها وبفكرتها الحقوقية، فكثير من الجناة يظنون أن ما يفعلونه في أولادهم أو زوجاتهم هو حق لهم! وكثير من الضحايا لا يعرفون حقوقهم ولا يعرفون ماذا يمكنهم عمله عند تعرضهم للأذى أو العنف.. وبالتوعية الحقوقية والقانونية وتعريفهم بالإجراءات المناسبة لا بد أن تنخفض هذه الظاهرة المحزنة..

كما أن الوزارة مطالبة بتطوير الإرشاد الاجتماعي لديها، فهو من الأولويات، والمرشد الاجتماعي الكفء هو من مفاتيح حل القضية، فعبره يتم توعية الضحية بحقوقها وتوجيهها بالإجراء المناسب الذي تقوم به، إضافة للدعم النفسي والمعنوي والعاطفي والتشجيعي التي تجعل الضحية تقف على قدميها وتقاوم وتطالب بحقها.. ومن جهة ثانية فقد يقوم المرشد عبر توعيته بردع الجاني أو تراجعه عن ممارسته الإجرامية..

قد تكون حوادث العنف الأسري الإجرامية البشعة نادرة، ولكن الظلم الاجتماعي يتنامى، وهذا في حد ذاته خطر له عواقب وخيمة، ناهيك عن مصادرته لحقوق الإنسان.

alhebib@yahoo.com


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد