Al Jazirah NewsPaper Sunday  28/12/2008 G Issue 13240
الأحد 30 ذو الحجة 1429   العدد  13240
بدر الضيط متحدثاً في هموم التراث والوطن:
التعصب والعنصرية طارئان على مجتمعنا وسيرة الملك المؤسس أكبر شاهد على ذلك

حاوره - يوسف بن محمد العتيق

أكثر ما يشغل الحديث في المجالس التراثية والثقافية في الآونة الأخيرة، بل أكثر ما يشغل بال جل المجالس السعودية، هو ما بدأ يظهر على بعض الكتابات ومواقع الإنترنت وقنوات الفضاء، من استثمار لبعض المقدرات الوطنية والتراثية التي نفخر بها، استثماراً يسيء للمشهد الوطني ويفرق اللحمة الوطنية. ومع أنّ هذه المقدرات جزء لا يتجزأ من تراثنا العريق، وهي ليست لفئة دون أخرى، بل كل المواطنين شركاء فيها، إلاّ أنّ المتلقي بدأ يشاهد توظيفها توظيفاً لفئة دون أخرى من فئات المجتمع، لإظهار الفخر أو انتقاص الآخرين، ولأنّ الباحث والمتحدث التراثي هو المتهم الأول في إذكاء هذه الجوانب الطارئة على مجتمعنا، كان لا بد من تسليط الضوء على هذا الموضوع والحديث فيه، مع من يستطيع تسليط الضوء على هذا الموضوع وخدمته، ممن يجمع بين الخبرة العملية في هذا المجال والخبرة التراكمية مع مرور سنوات العمر، فكان الشيخ بدر بن نايف الضيط هو الأنموذج الأمثل للحديث في هذا الموضوع، وهو ممن عايش هذه الأمور ولديه المقدرة على الحديث والتحليل في هذا المجال، مع الشكر والتقدير له على موافقته بأن يحل ضيفاً على الوراق، ليتحدث في هذه القضية التي تشغل بال كل غيور على وطنه وتراثه الوطني.

في لقاء مختصر بالشيخ بدر بن نايف الضيط بمنزله شرق عاصمتنا الغالية مدينة الرياض، تحدث إليّ أبو بندر بشفافية عالية وبصدق ووضوح، وهو من الشخصيات التي لها دور كبير ومهم على المسرح الاجتماعي في وطننا الغالي، لاسيما في صفوف قبيلته الكريمة قبيلة عتيبة، القبيلة الحاضرة في المشهد الوطني الكبير.

المتعصب لديه شعور بالنقص .. وفي تفكيره قصور!!

* سألته في البداية عن المتعصب والعنصري كيف يراهما وما هو تحليله لنفسية من يرتكب هذا السلوك؟

- كان رد الضيط سريعاً وحاسماً، بأنّ المتعصب أو العنصري دائماً وأبدأ ناقص العقل والإدراك، وتعصبه وعنصريته نتجت عن شعوره بالنقص أمام الآخرين، وأما المواطن الذي يفخر بوطنه ومنجزاته، فإنه ليس متعصباً لفئة، بل هو يسعى لأن يكون مواطناً صالحاً، ويكون لمّ الشمل هدفاً أساسياً أمامه، وهذا ما حث عليه ديننا الحنيف، وسار عليه حكام هذا الوطن بدءاً بالملك المؤسس - رحمه الله - الذي كان مظلة حقيقة لكل أفراد هذا الوطن المعطاء من بادية وحاضرة، فالذي ينظر في مجلس الملك عبد العزيز ورجاله، يجد أنه اختصر الوطن كله فيمن حوله من الأمراء والعلماء ورجالات القبائل والأعيان والمستشارين، فمجلسه يعد مجلساً يمثل كل شرائح الوطن من شماله وجنوبه وشرقه وغربه، ولكل شريحة من شرائح المجتمع حقها من الاحترام والتقدير، وهذا ما سار عليه أبناؤه الكرام من بعده الملوك (سعود وفيصل وخالد وفهد - عليهم رحمة الله -) وخادم الحرمين الشريفين أمدّ الله في عمره، وسمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والطيران والمفتش العام.

افخر بقبيلتك لكن لا تسئ لغيرك!

ويستدرك الضيط قائلاً: من حق كل مواطن أن يفخر ببلده وقبيلته وأسرته بمنجزاتها الكريمة والوطنية، فإذا كان لبلدك أو قبيلتك أو أسرتك دور طيب في خدمة الدين والوطن، فلا بأس من الحديث عنه بل هذا محل تقدير الجميع، وكذا لو كان لأجدادك دور طيب في الكرم والشجاعة، فذكر ما قيل عنهم من شعر وقصص مطلوب، مما يربي الجيل الجديد على مكارم الأخلاق وشيم الرجال فهذا مطلوب وحسن، لكن بعض ما نشاهده عند البعض الآن لا يدور في هذا المجال، بل هو من باب ذكر قصائد فيها انتقاص للآخرين أو حديث عنهم بصفات غير لائقة، أو النبش في التاريخ عن معارك ووقعات ذهبت وذهب أهلها وما قدموا، فليس من الحكمة أن نثيرها، ونروي قصصاً لوقعات ومعارك وأيام السلب والنهب وانعدام الأمن، لأن في رواية مثل هذه القصص وتلك الأشعار إيغاراً للصدور، وفتنة بين الناس، وذكر قصص لأناس هم بين يدي الله.

يصلح أن تمدح دون أن تسيء

ويتساءل الضيط قائلاً: لماذا بعض الشعراء حين يثني على قبيلته ومكارمه لا يختم قصيدته حتى يسيء للآخرين، إلا يكتفي بمدح قبيلته أو بلدته أو أسرته دون الماس بالآخرين؟؟. ويضيف الضيط أن بعض الشعراء لا تحلو له القصيدة حتى يذكر فيها الفر والكر والمعارك والدماء، وهذا ما لا يجب أن يؤتى به بين أبناء البلد الواحد حتى لو كان من الماضي، بل أشرف الدماء ما كانت في سبيل الله وتوحيد هذا الوطن الكريم، وهو ما نفخر به صغيرنا وكبيرنا.

الشعر والشعراء!!

* قلت للشيخ بدر الضيط إنّ الشعر من موروثنا التراثي الذي نفخر به، لكن بعض القصائد التي تنشر في مواقع الإنترنت، وتلقى في بعض الفضائيات، كان لها مساس باللحمة الوطنية؟

- علّق الشيخ الضيط على ذلك بأنه هذا يحصل وللأسف، وقد حذّر النبي الكريم عليه الصلاة والسلام من استخدام الشعر في هجاء أشخاص ثم ينتقل الهجاء إلى القبيلة الأخرى، ومن ثم يحدث ما لا تحمد عقباه، فقد قال نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام: إن أعظم الناس عند الله فرية لرجل هجا رجلاً فهجا القبيلة بأسرها.

وهكذا بعض الشعراء يهجيه شاعر فيسب الشاعر بلدته وقبيلته، وهذا أمر خطير في ديننا، وله آثار سلبية على الوحدة الوطنية.

لا أرضى في مجلسي بهذا الشعر!

ويقول الضيط عن هذا الجانب حين سألته عن وقوع هذه الملاسنات في بعض المجالس: أنا وغيري نحرص على عدم وقوعه - يضيف الضيط - وفيما يتعلق بي شخصيا، فإنه لا يلقى على حضور مجلسي من ضيوف وأقارب وأصدقاء أو في المناسبات العامة كالأعياد وغيرها، شيء من الشعر إلا وقد استمعت إليه من قبل، ووجهت بحذف ما لا يصلح، بل إنني في أحد المجالس الأخرى التي حضرتها سمعت قصيدة تضمنت أبيات تسيء للغير، فقاطعت الشاعر ولم أسمح له بمواصلة إلقاء الأبيات، وهذا موقف شاهده الجميع، ويمليه عليّ ديني ثم وطنيتي التي لا تسمح بأي حديث يفرق المواطنين، فأنا لا أرضى أن يلقى في مجلس أو أي مجلس أحضره شعر يفرق المواطنين.

حسبنا الله على أصحاب القنوات الفضائية!!

كان أكثر الحديث مثيراً للشجون مع الشيخ الضيط، هو الحديث عن القنوات الفضائية الشعبية والتراثية والتي ملئ بها الفضاء الآن، وما تضمنته بعض برامجها من قصيد أو معلومات تاريخية تسيء إلى الآخرين .. يقول أبو بندر: حسبنا الله على هذه القنوات التي كان المفترض أن تخدم المشهد الوطني وتنمي الحس الوطني والشعور بالمواطنة عند عموم الناس، فبدل أن يبرزوا دور الآباء والأجداد في خدمة دينهم ووطنهم وقيادتهم من جهود كبيرة ودماء أريقت تحت لواء الملك المؤسس صقر (الجزيرة) رحمه الله، إذ ببعضها تنقل معلومة فيها الإساءة إلى هذه القبيلة، أو تلك المدينة، أو أن يأتي أحد الشعراء ويلقي أبياتا فيها مدحاً مبالغاً فيه أو انتقاصاً للآخرين ظناً منه بأنه يخدم قبيلته أو يثني عليها، في حين أنه يسيء إلى وطنه وقبل ذلك يسيء إلى نفسه وإلى قبيلته.

الشيخ بدر الضيط يلقي باللائمة في هذا المجال على ملاّك القنوات الفضائية، ومن يتولى مراقبة هذه البرامج، ويقول إن الواجب عليهم تقوى الله، والحذر الحذر من إذكاء الفتنة التي أصبحت من التاريخ، بعد أن رحم الله هذه البلاد الطاهرة وأهلها بملحمة التوحيد التي قادها الملك المؤسس، وسار تحت لوائه أبناؤه الغر الميامين، وكل أفراد هذه الشعب بكل شرائحه تحت مظلتنا الكبرى المملكة العربية السعودية.

رسالة إلى أصحاب القنوات ومواقع الإنترنت

ويقول الشيخ الضيط عن هذه المسألة إن الكلمة أو القصيدة إذا خرجت من الشاعر عبر هذه القنوات فلا يمكن أن تعود بل تسير في أكثر من اتجاه وتفسر أكثر من تفسير، وأنا أدعو ملاّك القنوات وأصحاب مواقع الإنترنت إلى وضع مراقبين من أهل الرأي والخبرة والأمانة، فلا ينشر شيء دون أن يمر عليهم وحذف كل ما يسىء للوطن والمواطن.

الاعتذار مطلوب!!

وفي الموضوع نفسه يقول أبو بندر، إن من الواجب على من أخطأ على قبيلة أو أسره بشعر أو بحديث مغلوط أن يقدم الاعتذار، وأن يكون مع الاعتذار بذل الجهد أن لا تتكرر الإساءة للآخرين مستقبلا.

ماذا نريد من جمعية النسابين؟

وفي حديث عن جمعية النسابين السعودية التي وافق على قيامها مجلس إدارة الدارة، الذي يرأسه الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض رئيس مجلس إدارة الدارة، استبشر الضيط بهذه الجمعية خيراً، وتمنى على هذه الجمعية أن تقوم بدورها في نشر ما يخدم الوحدة الوطنية، وإبعاد كل ما يحيى العنصريات القبيلة التي أنهاها الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه -، وقال الشيخ بدر إن متابعة الأمير سلمان بن عبد العزيز وهو رجل عالم بالتاريخ وعلى دراية بحساسية هذه الأمور لمثل هذه الجمعية ونظامها ولوائحها، يجعلني وكل المواطنين نطمئن كثيراً لما ستقوم به هذه الجمعية مستقبلاً بإذن الله، نشر ما ينفع الناس ويزيد في تواصلهم مع العناية المطلوبة للأنساب، والتي تعين على التواصل وصلة الرحم تحت مظلتنا الكبرى المملكة العربية السعودية.

كما أن الشيخ بدر الضيط يؤكد على أهمية الحذر ممن يدخل في مجال الأنساب، ممن يوصفون بأنهم رواة وهم في الحقيقة لا يخدمون سوى أهدافهم الخاصة، ولا يسعون للصالح العام مع الأسف، وينقلون روايات غير صحيحة، بل فيها أخطاء على الآخرين وانتقاص قدرهم.

مزاينات الإبل

وعن رأيه في مزاينات الإبل، أجاب بأنه مع جائزة الملك عبد العزيز لمزاين الإبل في أم رقيبة، والتي تلقى الدعم والعناية من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، والمتابعة والرعاية المباشرة من صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبد العزيز رئيس هيئة البيعة، لأنّ هذه الجائزة ليست قبيلة أو مناطقية، بل هي جائزة سعودية وتحمل اسم الرمز الوطني الكبير الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل - طيّب الله ثراه -.

أبو بندر وجّه دعوة إلى مشاركي وحضور هذا الملتقى الوطني الكبير بأن لا تعلو راية غير راية الوطن، وأن يكون الفخر بأمجاد هذا الوطن وملحمة التوحيد، مع الحق لكل مشارك أن يفخر ببلدته أو أسرته وقبيلته، إذا كان ذلك فخراً بمنجزات حضارية ليس فيها أي نعرات أو عصبيات ما أنزل الله بها من سلطان، وأن يكون الفرح بالفوز منضبطاً ليس فيه أي مبالغة أو تصرفات غير لائقة.

انظروا لكتب التاريخ!!

وفي ختام حديثة استذكر الضيط موقفاً يدل على نعمة الله على هذا البلد بالأمن الذي تفتقده الكثير من دول العالم وبعضها مجاور لنا، ولكن الله في هذه البلاد حفظنا .. ويقول الضيط إنّه بأدنى نظرة لكتب التاريخ، نعرف كيف كان أبناء هذه البلاد في حالة أمنية صعبة، لا يستطيع المرء أن يتجاوز بيته ما لم يكن مسلحاً، حتى لو كان متوجهاً للمسجد لأداء الصلاة، والحجاج كانوا لا يذهبون إلى أقدس البقاع إلا على شكل قوافل معها الحماية، وأما الآن فالمرء يضرب أكباد الأرض في هذا الوطن شرقها وغربها ولا يخشى إلاّ الله، سواء كان في ليل أو نهار سواء كان بمفرده أم مع جماعة.

وبنظرة إلى حجيج بيت الله الذين ترى بعضهم يتوسد ماله وينام في أماكن مكشوفة ولا يخشى السرقة أو انعدام الأمن، في مشهد أمني قد لا يوجد في كثير من الدول .. هذه نعمة يجب على مثيري النعرات العصبية والجاهلية أن يتأملوها جيداً، قبل الحديث فيما يسيء إلى هذا الوطن الكبير.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد