تسارع وتيرة الأحداث في غزة وتصاعد الاجرام الإسرائيلي بالقصف على القطاع والذي نتج عنه عشرات القتلى ومئات الجرحى بينهم العديد من النساء والأطفال، يعيد إلى الأذهان الوجه الإسرائيلي القبيح الذي لا يتوانى عن البطش بكل ما هو بشري خصوصاً اذا تعلق الأمر بالهوس الإسرائيلي بالامن ومزايدات بورصة الأحزاب والتكتلات الحزبية التي تتنافس في ابداء تطرفها بالتعامل مع الجانب الفلسطيني، فقد تسارعت الأصوات وتزايدت المطالبات التي وصلت إلى حد اعادة غزة إلى العصر الحجري، وتعالت النداءات التي تدعو إلى ضربات موجعة لا ترحم احداً.
في هذه الاثناء تحولت غزة إلى شأن إسرائيلي داخلي وساحة انتخابات للكيان وهذه هي اساس المعضلة فلقد عودتنا ماضيات الايام انه كلما تعلق الامر بالتنافس أو الشأن الداخلي الإسرائيلي فإن الجميع من ساسة تل ابيب يتسابق إلى طرح الحلول والاساليب الاكثر عنفاً، ليؤكد ان تكتله أو حزبه الاكثر حرصاً على امن إسرائيل وهو الوتر الحساس الذي يجيد الساسة الإسرائيليون العزف عليه في مثل هذه الحالات.
كما ان الإسرائيليين لا يقدمون على تحرك أو تصرف إلا وقد ربطوه بما سبقه وما سوف يليه حسب مصالحهم الاستراتيجية وتكتيكاتهم المستقبلية، فأول ما سوف تسعى إسرائيل للحصول عليه بعد هذه الهجمة المتوحشة هو دراسة وقياس ردود الفعل العربية والدولية بعد اطالة الهجمات وعدم النزول إلى الارض تفادياً لعدم حصول خسائر في صفوف جنودها وصولاً إلى الحصول على فرض هدنة جديدة تؤسس على شروطها المسبقة التي تمليها هي حسب تطلعاتها السياسية.
لا يخلو الامر من شيء من اللعبة الاعلامية الماكرة فقد جهدت الميديا الإسرائيلية على اضفاء الطابع الخاص للصراع مع حماس فقط وحصر قضية الاعتداء على القطاع من اجل التعامل مع حماس، مع ان واقع الأحداث يشير إلى ان المستهدف هو كل فلسطيني سواء كان مقاوما أو اعزلا وليس بذلك إلا لأجل تضييق الخناق على الشعب الفلسطيني ورسم علامات تعجب جديدة على تحركات حماس في اعين الفلسطينيين، وما يؤكد ذلك ان هذه الغارات قد وقعت في وقت كان طلاب المدارس من بين القتلى والجرحى في صباح امس الدامي، بالاضافة إلى من سقط من الشيوخ والنساء والعزل في شظايا القصف.
تقصف غزة الان ويتوالى سقوط القتلى والجرحى والقطاع يقع تحت حصار خانق شح من خلاله الدواء من المستشفيات، وكأن الامر ذو طابع انتقامي جماعي الذي لا يستثني احداً، وكل ذلك يحدث تحت نظر ومسمع المجتمع الدولي، الذي اضحت كل مفاهيم نسقه المعرفي والانساني تحت انقاض صواريخ إسرائيل لا شيء، فلا حقوق للإنسان نادى بها الضمير الدولي ولا حماية للمدنيين العزل أكدت عليها معاهدات الحروب والقتال، ولا حتى أدنى حس من الضمير الانساني يقع في حسابات ما يحدث للفلسطينيين، ان القصف والاعتداءات التي تشنها إسرائيل هي في المقام الاول موجهة ضد كل قيم التحضر والتكاتف الدولي، وضد كل قيمة انسانية توصلت اليها الهيئات الاممية والانسانية وفي مقدمتها الأمم المتحدة لأجل حفظ الامن والسلم الدوليين والقانون الدولي الذي اضحت الكثير من الدول وفي مقدمتها إسرائيل مستثناة منه، سواء بمبرر أو من غير مبرر يذكر.