Al Jazirah NewsPaper Sunday  28/12/2008 G Issue 13240
الأحد 30 ذو الحجة 1429   العدد  13240
10 أشهر أكثر فترة ركود بعد الحرب العالمية الثانية.. اقتصاديون لـ«الجزيرة»:
الأزمة الحالية مختلفة.. وبداية التعافي بعد العام المقبل

الرياض - عبد الله الحصان:

توصل صندوق النقد الدولي إلى أن الركود الاقتصادي الناتج عن الأزمات المالية التي تطال القطاع المصرفي تكون عادة أكثر عمقاً وسوءاً وتستمر مدة أطول وتؤدي في المتوسط إلى انخفاض في النمو الاقتصادي العالمي بنحو 4.5% جاءت هذه النتيجة بعد أن استعرض صندوق النقد الدولي حوالي 113 تباطؤاً وركوداً اقتصادياً في 17 دولة صناعية خلال العقود الثلاثة الماضية، منها 29 أزمة أدت إلى ركود اقتصادي تسبب فيها القطاع المصرفي، وبالنظر إلى فترات الركود التي مر بها الاقتصاد الأمريكي منذ الحرب العالمية الثانية والانتعاش الذي تبعها فإن متوسط فترة الركود نحو عشرة أشهر مع اختلاف فترة الانتعاش التي تبعت ذلك.

وحول مدى اختلاف حالة الركود الحالية عن سابقاتها رأى عدد من الاقتصاديين أن هناك اختلافاً شاسعاً بين حالات الركود التي أصابت العالم فيما مضى والركود المتوقع خلال هذه الأزمة.

وقال عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدكتور فهد بن جمعة إن الأزمة التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي حالياً تختلف عن الأزمات السابقة ليس في الأسباب المتشابهة مع أزمة 1929 ولكنها تختلف هذه الأزمة عن سابقاتها من حيث التدخل الحكومي لدعم النظام المالي الذي لم يحدث فيما مضى. فقد تدخل البنك المركز الفدرالي مباشرة لدعم المؤسسات المالية، إما بتوفير السيولة أو بشراء نسب من أصول تلك المؤسسات. وما زلنا نتذكر خطة الإنقاذ التي بلغت700 مليار دولار، ثم أعقبها خطة متوقعة بمقدار 800 مليار دولار. أما من ناحية الآثار قال ابن جمعة (لا شك أن تأثير الأزمة الحالية كان وما زال تأثيراً حاداً وسنشاهد المزيد من إفلاس المؤسسات المالية والشركات نتيجة شح الموارد المالية ودخول أكبر الاقتصاديات العالمية مرحلة الكساد ما فاقم من الأزمات الاقتصادية في الدول الأخرى.. ومن المتوقع أن ينخفض النمو العالمي إلى ما يقارب 1% وهذا مؤشر خطير).

وتوقع الدكتور فهد بن جمعة أن تستمر الأزمة خلال العام المقبل وبعدها سيسود توجه نحو استقرار الاقتصاد العالمي ليكون القاع الذي يبدأ الاقتصاد استعادة نشاطه منه، داعياً وزارة المال ومؤسسة النقد إلى تتبع سياسات نقدية ومالية تدعم النمو أو على الأقل تخفف من احتمالية الركود الاقتصادي، لافتاً إلى أن مؤسسة النقد قامت بتخفيض مستوى الفائدة (الريبو) على القروض بين البنوك إلى 2.5% ما يخفض تكاليف عمليات الإقراض ويشجع البنوك على الإقراض وأن ذلك من شأنه أن يزيد عمليات الإقراض للأفراد والقطاع الخاص ويساعد على توفير السيولة للشراء أو الاستثمار وبالتالي رفع قدرة القطاع الخاص على زيادة معدلات نموه لينعكس على الاقتصاد الكلي.

من جانبه يرى المحلل اقتصادي فضل البوعينين أن الأزمات المالية لا يمكن أن تتشابه، وكذلك مسبباتها، إلا أن النتائج عادة ما تكون متقاربة جداً وتختلف باختلاف حدتها، وزمن بقائها، ووسائل التعافي منها. وقال (يمكن القول إن الأزمة الحالية هي أزمة فريدة بكل ما تعنيه الكلمة، من حيث المسببات والعمق، والنتائج. حتى من حيث المعالجة التي اشتركت فيها غالبية دول العالم القادرة على المساهمة في حل الأزمة. وعند الحديث عن التكاليف نجد أن التكلفة باهظة جداً ومع ذلك لم تنجح خطط الإنقاذ حتى اليوم في تجاوز الأزمة أو الحد منها على أقل تقدير).

وقال البوعينين إنه وعطفاً على التقارير الدولية الأولية يعتقد أن يكون الربع الأول من العام 2010 بداية التعافي من الأزمة العالمية وبداية الخروج من الكساد العالمي، إلا أن هناك من يرى أن نهاية العام 2010 ربما كانت بداية الخروج الحقيقي من حالة الكساد الشامل، وتوقع أن بداية العام 2010 ربما تكون البداية الحقيقية لتجاوز مرحلة الكساد.

وحول الخطوات المفترضة محلياً لمواجهة الأزمة وحماية الاقتصاد من آثارها، قال البوعينين: إن الخطوة الأولى هي تشكيل فريق عمل رئيس يمكن أن يمثل جهة التحكم والمساندة، وفرق عمل متخصصة فرعية تهتم بقطاعات الاقتصاد المختلفة لتحديد آثار الأزمة عليها والآثار المستقبلية المتوقع مواجهتها وسبل علاجها ومستوى الدعم الذي تحتاجه من الجهات الرسمية, والمتابعة الدقيقة لمتغيرات الأزمة وانعكاساتها يمكن أن تكون القاعدة الصلبة التي تبنى عليها توصيات الحماية، والعلاج، ومستوى الدعم.

وأضاف البوعينين: على الرغم من متانة القطاع المصرفي إلا أن تأثر القطاعات المصرفية العالمية أدى إلى شح السيولة العالمية وأثر على القطاعات المصرفية حول العالم وتوفير السيولة للقطاع التي يمكن من خلالها مواجهة الطلب المتنامي على الإئتمان، وتعميق الثقة بالقطاع المصرفي.

ودعا فضل البوعينين إلى معالجة انعكاسات الأزمة على سوق الأسهم السعودي وحمايته من تجاذبات المنتفعين، ودعمه وإعادة الثقة فيه وجعله مرآة ناصعة لاقتصادنا الوطني القوي والمتين. كما دعا إلى حماية السوق وحماية استثمارات المواطنين ومدخراتهم وأن تكون من أولويات الجهات الرسمية خاصة وأن الشركات لا تعاني من مشكلات حقيقية كما هي الحال عليه في السوق الأميركية التي تأثرت بمستوى أقل بكثير من السوق السعودية على الرغم من أنها السوق المتسببة بالأزمة العالمية.

ويرى فضل البوعينين أن الإبقاء على أسعار فائدة منخفضة جداً، ودعم قطاعات الإنتاج، والتأكد من تحقيق الكفاءة في قطاعات الإنتاج هي جزء من أهم الأدوات لمواجهة الأزمة، بالإضافة إلى الاستثمار في قطاعات الإنتاج بدلاً من قطاع البنية التحتية والذي سيساعد كثيراً في خلق قطاعات إنتاجية متنوعة.

وأضاف البوعينين في نهاية حديثة على ضرورة دعم المصانع السعودية المتضررة خاصة التي يتوفر لديها فوائض إنتاجيه لا يمكن بيعها في السوق المحلية، كمصانع الأسمنت والحديد على سبيل المثال، والسماح لها بتصدير الفائض، وجزء من إنتاجها شريطة ألا يؤثر ذلك على حجم الطلب المحلي وأسعارها الداخلية. ومراجعة السياسات والأنظمة والقوانين وتعديلها بحسب الاحتياجات المتغيرة أمر لا بد منه. وقال (إذا كنا طالبنا بحماية المستهلك وتوفير السلع من خلال وقف التصدير عندما كانت الحاجة ملحة، فإننا لا نرضى أبداً بوقوع الضرر على المصانع المحلية التي باتت محتاجة لبيع الفائض من إنتاجها في الأسواق المجاورة تقليصاً لخسائرها، وتوفيراً للسيولة).

بدوره يرى الاقتصادي محمد العمران أن حالة الركود التي سيعيشها الاقتصاد العالمي تختلف عن حالات الركود السابقة التي واجهها منذ الحرب العالمية الثانية، حيث يتركز الاختلاف في أن فترة الركود الحالية ضربت أهم قطاعين اقتصاديين في الولايات المتحدة وهما القطاع العقاري والقطاع المالي وقال (تكمن المشكلة في أن القطاع المالي هو المحرك الرئيس لباقي الأنشطة الاقتصادية وأهمها أنشطة تداول العقارات والسيارات حيث إن المواطن الأمريكي لا يقوم بشراء العقارات والسيارات إلا من خلال تمويل مصرفي لكن المصارف هناك لا تقوم حالياً بتلك المهمة نظراً لحاجتها تجميع أكبر سيولة ممكنة لضمان بقائها على قيد الحياة وهذا بدوره يصعب الحلول تجاه هذه المشكلة المعقدة).

وأضاف العمران: من الصعب تقدير فترة زمنية لحالة الركود التي يعيشها الاقتصاد الأمريكي حالياً لكن الأكيد أنه حتى وإن حصلت فترات انتعاش مستقبلاً فإنها ستكون ضعيفة وبالتالي فإن الانتعاش الحقيقي للاقتصاد الأمريكي لن يحصل قبل خمس إلى ثماني سنوات على أقل تقدير، وذلك يعود إلى أن الخسائر غير المحققة من تقييم الاستثمارات لن تظهر آثارها بشكل كامل إلا بعد مرور 5 - 8 سنوات بحسب تقديراتنا.

وفيما يتعلق بالسياسات النقدية توقع العمران أن يقدم الاحتياطي الفيدرالي على إجراء تخفيضات في أسعار الفائدة إلى مستويات قريبة من الصفر، وقد تصل هذه التخفيضات إلى الفائدة السلبية، كما قد يصدر مزيداً من سندات الخزانة لتمويل عجوزات الموازنة المتوقعة مستقبلاً إضافة إلى محاولات لتخفيض قيمة الدولار الأمريكي أمام العملات الرئيسة العالمية بهدف تشجيع الصادرات وتقليص العجز المتواصل في الميزان التجاري، مما يدل على أن الاقتصاد الأمريكي يواجه تحديات هي الأصعب منذ الثلاثينيات الميلادية.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد