Al Jazirah NewsPaper Sunday  28/12/2008 G Issue 13240
الأحد 30 ذو الحجة 1429   العدد  13240
تضخم مفهوم الاختلاط
د. عبدالله بن سعد العبيد

العلاقة بين الجنسين في المجتمع السعودي قضية شائكة محورية تُعتبر حديث الساعة في غالبية المجالس والنقاشات، وأصبح من السهل لكل من يرغب في أن يدلي بمنظوره الذي يرى العلاقة من خلاله، فيما يرى فقهاء وعلماء الأمة الخوض فيها غير مرغوب.. سداً للذرائع.. ودرءاً للفتن.. ويرى آخرون منحى يأخذ احترام عقل المرأه وقدرتها على الاستقلال محوراً وركيزة في مطالبتهم بتغيير النظرة الدونية للمرأة والمطالبة بشراكة المرأة للرجل في كثير من مناحي الحياة التي تؤدي إلى نهوض المجتمع دون إخلال بمفهوم القوامة.. ويرى فريق آخر أن أي قبول لتغيير محتمل هو تساهل غير مقبول، الأمر الذي أدى إلى اعتبار الرجل وحشاً ووضعه في صورة غير لائقة أخلاقياً واعتبار الفتاة مخلوقاً ضعيفاً يسهل إغواؤها والتغرير بها.

إن الاعتقاد والإيمان بذلك المفهوم الأخير ترسَّخ بشكل مخيف في أذهان كثير من الشباب والفتيات حتى تم تصديقه واعتناقه بل وممارسته أحياناً كثيرة.. هذا الاعتقاد الذي أدى إلى تباعد الجنسين بأسلوب النار والبنزين أدى إلى نمو التواصل الخفي بينهما عبر ما تتيحه وسائل الاتصال الحديثة متزامنة مع نوعية البرامج التي استهدفت بشكل مباشر أو غير مباشر كسر ذلك الحاجز وتعزيز الرغبة في التواصل بين الجنسين، وهي - البرامج- التي لا يستطيع إلا من رحم ربي منعها أو منع الوصول إليها.

وضع خطير يعيشه واقع المجتمع اليوم، وضع يضع قيم المجتمع ومعتقداته في مقابل سلوكيات يتم تعاطيها كما نوهنا آنفاً ولا حول ولا قوة إلا بالله.. بحيث أصبح هناك شعور مزدوج بين القيم الدينية والأخلاقية من جهة وما يتم ممارسته فعلياً من جهة أخرى.

بدأت الفتاة بالخروج للعمل كما بدأت سابقاً بالخروج للعلم وها هي تتسنم اليوم مناصب قيادية في منظومات حكومية وخاصة أهلية، في بيئة عمل تحفظ للفتاة خصوصيتها التي تحتاجها بطبيعتها الأنثوية ونسقاً دينياً بحفظ وجودها بعيداً عن الاختلاط وانتهاءً بتوفير جو يحفظ لها قيمها الأخلاقيه.. لكن ينبغي تدعيم هذا التوجه بإعادة النظر بمفهوم العلاقة بين الجنسين في العمل من خلال توحيد الآراء المختلفة للعلماء لصد مجالات النقاش العامي الذي لا يحمل معه مفهوماً دينياً لطبيعة عمل المرأة، على أن يشمل ذلك وضع أطر واضحة لهذه العلاقة.

يجب التوضيح المطلق لمفهوم الفصل بين الجنسين ووضع حد للاجتهاد فيه فإن كان سداً ودرءاً للفتن فإنه يكون وسيلة شرعية لا أصلاً.. وصار هامش تناول الموضوع من قبل العامة واسعاً، وإن كان الفصل المطلق من ثوابت الدين فإن أمر التمسك به حينئذ يكون من أبجديات الأمور ولا مجال للنقاش فيه.

في الوقت الذي ننمي فيه بناتنا على مفهوم دورهن في الزواج والإنجاب والعمل المنزلي ورعاية الأبناء، هناك مطالبات بمشاركة الفتيات بالدور التنموي الذي تعيشه البلاد أسوةً بسائر البلدان الإسلامية التي تبيح عمل المرأة إلى جانب الرجل، وترك الأمر كذلك بلا توضيح للضوابط الشرعية وموقف الحكم الشرعي القاطع يترك المجال مفتوحاً للتأويل.. بل ويتركه مجالاً خصباً لأعداء الإسلام في تأليب الفتيات.

وأنا هنا لا أحاول الخوض في مجال الأحكام الشرعية والفقهية، ولا الدعوة لاختلاط الفتيات بالذكور في أماكن العمل، ولست مؤهلاً لذلك، لكنني أطالب بتوضيح الأمر بشكل قاطع وضرورة قيام أهل الاختصاص بلعب دور توعوي يتم من خلاله إسكات المريدين لإحداث خلل بالمجتمع وأيضاً لتوعية الفتاة بأهمية دورها في المجتمع أياً كان ذلك الدور سواءً في البيت أو خارجه.

والله من وراء القصد.



dr.aobaid@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد