Al Jazirah NewsPaper Saturday  27/12/2008 G Issue 13239
السبت 29 ذو الحجة 1429   العدد  13239
رحمك الله يا أخي صالح
بقلم د. عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر

لقد مررت بهذه الدنيا سريعاً، كأنه الأمس القريب عندما كنت تحبو، وعندما بدأت المشي، وعندما دخلت المدرسة، صور الماضي كلها تتداعى على ذهني، أتصورك في كل مرحلة من مراحل حياتك.

لقد كنت ذكياً، وهذا الذكاء أدى بك، عندما أنهيت المرحلة الثانوية في مكة المكرمة، أن تستفيد من رغبة والدنا - رحمه الله - أن تذهب إلى ألمانيا، فتكمل المرحلة الجامعية، دارساً الطب. وقد أقبلت على دراستك بجد، وجعلت النجاح الباهر نصب عينيك. وأراد الله سبحانه وتعالى أن يمن عليك بأن تتم دراستك، وتعود إلى المملكة جراحاً ماهراً، وبقيت تعمل وتعمل وتعمل، حتى شعرت أنه آن لك أن تترجل من سرج الفروسية هذا.

* * *

** لقد تركت خلفك في كلية الطب في جامعة الملك سعود، ومستشفى الملك خالد الجامعي، ذكرى عطرة، عُرِفت هناك بالصيت الحسن، كنت تكاد أن تكون أول من يصل إلى العمل، كنت لا تتأخر عن الساعة السادسة صباحاً، وتمر على مرضاك، ومرضى مساعديك، ومرضى طلابك، لتناقش معهم، عن علم، حالة هؤلاء المرضى.

* * *

** كنت ناجحاً في خطوك هذا مما جعل كل من عمل معك يذكرك بكل خير، يذكرك بحرصك على العمل وإتقانه، والإبداع ما وسعك ذلك. يذكرونك بالحزم، وعدم التغاضي عن أي أمر يخص حالة المريض. لقد تشبعت بالروح الطبية التي كنت حمدتها في مستشفيات ألمانيا.

* * *

** أسعد كثيراً عندما أراجع طبيباً نطاسياً في أرقى مستشفيات المملكة، ويقول لي إنك درَّسته، وتبقى هذه الكلمة ترن بجرسها المطرب في ذهني، وهكذا العلم النافع يتسلسل ضياؤه عبر القرون، فتلميذك سوف يكون أستاذاً لتلميذ جديد، وهذا بدوره سيكون أستاذاً. والمفرح أن من هؤلاء التلاميذ من سوف يَبُزّ أستاذه، لما تيسر في زمنه من اختراع آلات وأجهزة، دفعت الطب إلى الأمام، ولكن البركة المغروسة أولاً بقيت تشع جوانب هذا الروض المهم، الروض الذي يواسي الجروح الدامية والأنفس المجروحة.

***

** نَمْ هنيئاً، فقد بذلت الجهد، وأحسنت القصد، وأعطيت كل ما تستطيع، وقد أكرمك الله ببنيك فرأيتهم، قبل أن يختارك الله لجواره، ناجحين فالحين، وأكبرهم طبيب مثلك يحمل الآن الراية، وهو على نهجك، مع استفادة تامة من وسائل الطب الحديثة.

***

** لقد كنت تود أن ترى تعميم الاستفادة من اختراع هداك الله إليه لإيقاف النزيف في العمليات دون حاجة إلى طاقة كهربائية، ولا يزال المختَرع يخطو في طريقه إلى القبول في الدوائر الطبية التي كان لا بد من سلوكه إياها.

رحمك الله يا أبا طارق، يا أخي صالح، وأسكنك الله فسيح جناته، وأبقى الله لنا طارقاً وثامراً نرى فيهما خَلْقك وخُلُقَك، ونرى إصرارهما على إتقان عملهما مثل إصرارك. وجمعنا الله بك في جنات النعيم، إنه جواد كريم. وصلى الله على سيدنا محمد.








 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد