يسبق الزهر عبقه.. يتقدمه عطراً في ثياب المارين أو المقبلين.. أو شذى لباقة ندية منزوية في ركن بالجوار..
أو كلمة جميلة رطبة طيبة تسقط في الآذان.. أو وجهاً باشاً مبتسماً لكل العيون.. أو موقفاً نبيلاً في لحظة ضيق يكون مخرجاً.. أو يداً كريمة تنشل من هوة ترد.. أو تسند في فجاءة سقوط..
الرائحة الزكية ليست تستقر في الأنوف فقط...
الرائحة الزكية مقرها العيون والآذان والعضد... مصادر الحياة تضخ فيها الحياة بكل جميل، شذي، نبيل، رطب...
حين تأتيك في لحظة ضيق تخرج منه كما تلدك أمك حراً من أغلاله..
وحين تأتيك في لحظة غرق تنجو منه مطهراً من طميه وأوحاله..
وحين تأتيك في لحظة مرض تقوى عليه رئتك بروح أنفاس سخية تقصيد عن اختناقاته...
هناك من الناس من هم حدائق ورود لا تحجب عن أحد عبقها.. ولا تبخل لمسار عن شذاها..، ولا تغيِّب عن سطح ألوانها.. تضفي على الحياة رونقاً جميلاً..
هؤلاء هم صفوة الإخوة.. والزملاء.. والرفقاء.. والأقرباء.. والمريدين... والباذلين.. والعاملين.. والمنجزين..
يقتعدون منابت الورد.. ويفترشون منافذ العطاء.. لا يلتفون على أشجارهم ولا يخصون فروعهم.. ولا ينطوون..
على ذواتهم.. لكنهم في كل لحظة، ومكان, هم زهور يأتيك منهم عبقهم..
تسبقهم إليك خطاهم..
تتجه إليك نسائمهم..
وإن جاءتك في سطور بلا توقيع، وأنت الكاتب لا تدري من خلفها..
لكنك تقرأها في كلمة طيبة في العبارة الشذية..
أو كنت جندياً تصهدك الريح والشمس فتقع في أذنك كلمة شكر.. أو تستقر في عينك ابتسامة رضاء..
أو كنت طبيباً لا تغفل لك عين بجوار مرضاك فتسقط في منافذ سمعك وحسك دعاء... أو كنت معلماً تأتي على نفسك وإن كانت بك حاجة.. فتصلك انتماءً واتباعاً.. تمَثُّلاً واقتداءً..
فهل سألت نفسك بأي رائحة تتقدم.. قبل أن تصل..؟