على الرغم من ما شهدته قارة إفريقيا من انقلابات واضطرابات سياسية انتهت بمذابح وتهجير، إلا أن ما جرى في غينيا كوناكري أو غينيا الجديدة يمثل تطوراً جديداً في تاريخ القارة السمراء.
فاستيلاء مجموعة من الشباب وتنصيب زعيمهم النقيب موسى كامارا رئيساً بعد ساعات من وفاة الرئيس السابق، لانسانا كونتي، دليل على ما عانته البلاد على مدى حكم ربع قرن حكمها الرئيس المتوفى.
وكمؤشر قوي لما عانته البلاد خلال حكم الرئيس كونتي من عجز على القيام بمعالجة أزمات البلاد من مشاكل الحروب الدائرة آنذاك في البلدان المجاورة ( ليبريا وسيراليون وساحل العاج ) ونقص الغذاء والدواء وشح المياه في البلاد قام الشباب الانقلابين بحل الحكومة وتعليق العمل بالدستور، كما تم حل المحاكم وحل البرلمان على اعتبار أنّ هذه المؤسسات عاجزة عن الاهتمام بالدولة بالرغم مما تختزنه هذه الدولة (غينيا) من الموارد الطبيعية وخاصة الألومنيوم.
وبالرغم مما حققه الرئيس المتوفى كونتي من الحفاظ على الاستقرار الأمني في بلاده الغنية، إلا أنه أعيد انتخابه ثلاث مرات وسمح بظهور أحزاب مارست نشاطاتها في إطار ضيق، كما تعرض عدد من زعماء المعارضة للسجن خلال حكمه.
هذه الدولة (غينيا الجديدة) كما تسمى بعد استقلالها عن فرنسا في 2 أكتوبر عام 1958م تعقد العزم وتعول على حكم الشباب الحالي بقيادة النقيب موسى (46 عاماً) الذي يؤكد ولاءه وحبه للبلاد، وأنه قادر وعازم على إخراج البلاد بمظهر ملائم لاستقرار بعض دول إفريقيا التي مزقتها الحروب.
وما جرى في شوارع العاصمة كوناكري بعد الانقلاب إلا دليل كبير على حركة التأييد الواسعة، فالرئيس الجديد موسى بنفسه توجه على متن دبابة عسكرية إلى القصر الجمهوري ثم إلى مقر التلفزيون والإذاعة يرافقه الشباب، وما الترحيب على طول الطريق من معسكر ألفا يايا في كوناكري حتى القصر الجمهوري كما نقلت التلفزة العالمية، إلا خير دليل وفي غنى عن أي تعليق.
خدم الشاب موسى في الجيش 17 سنة، وبالرغم من أنه كان واحداً من ضمن مجموعة من الجنود قادوا تمرداً وطالبوا من خلاله بدفع رواتبهم المتأخرة والزيادة فيها ، ربيع 2007، إلا أن ذلك - كما يبدو - ليس مؤشراً على تهديد البلاد أو الإخلال بأمنها أو فوضى انقلابية.
فبلا استباق للأحداث وما قد يحصل بعد، إلا أن عسكريين يحيطون به (موسى) منذ تعيينه رئيساً للمجلس العسكري، يصفونه بأنه رجل مهذب ولطيف المعشر حاد المزاج، ويحب التوصل إلى حلول فورية للمشكلات حتى أنه يقول عن نفسه .... (لم أصل إلى الحكم بالصدفة ولكن بفضل التحلي بكثير من الصفات من قبيل الروح الوطنية والشهامة).
هذا ما تحتاجه إفريقيا هذه القارة المترامية الأطراف فبعد استقلال أغلب الدول الإفريقية عانت حروباً دموية وتهجيراً لا يزال حتى وقتنا الحالي، بسبب إحكام قبضة العسكر وهيمنة الفقر والفساد، وكنتيجة أيضاً يخلفها الاستعمار، إلا إن بعض دولها حققت استقراراً ونمواً كبيراً وأصبحت مثالاً يحتذى مثل ليبيريا وسيراليون وساحل العاج، وهو ما سيرمي إليه القادة الشباب بقيادة موسى من تثبيت للأوضاع في البلاد ونشر الأمن وقبل ذلك والأهم تنظيم انتخابات عامة في البلاد تضمن استقرارها ومراقبة الساسة.
وهو ما يصبو إليه الاتحاد الإفريقي والذي طالب فيه القادة العسكريين بعدم عرقلة العملية الديمقراطية املاً في استقرار إفريقي وسمعة طيبة في العالم خصوصاً وأن التنافس على أشده للخروج بملفات نظيفة في الوقت الحاضر حول حقوق الإنسان والتنمية الرعاية بشخص الإنسان أمام منظمات المجتمع الدولي.