لأن كاتب السيناريو واحد، والمخرج واحد، فإن المسرحيات التي تنفذ على الأرض العراقية وأرض أفغانستان تتطابق، وتكاد تكون واحدة.
في العراق هُيِّئ لتقسيم البلاد فاعتُمدت الفدرالية وعُزّز الحكم الذاتي في إقليم كردستان إلى حكم شبه مستقل، فالإقليم يدار من قبل حكومة تخرج كثيراً على تعليمات حكومة بغداد المركزية، وله رئيس وعلم وبرلمان وجيش وشرطة، وكل عناصر الدولة المستقلة، مع استفادته من العراق الدولة مما يحصل عليه الإقليم من أموال مخصصة من ميزانية العراق العامة.
الاستفادة التي حققها الكرد في ظل الحماية الأمريكية يسعى الآخرون وخاصة جماعة الحكيم إلى تحقيقها في سعيها إلى استقطاع جزء آخر من العراق من خلال إقامة إقليم الجنوب الذي، وحسب رؤية حزب عبد العزيز الحكيم، يتكوّن من محافظات الجنوب الثلاث (البصرة والناصرية والعمارة)، إضافة إلى محافظات المثنى والديوانية وكربلاء والنجف والكوفة وبابل.
ويعتقد الحكيم وجماعته أن هذه المحافظات الثمانية أو التسعة التي أغلب سكانها من الشيعة، يمكن أن تكون إقليماً خاصاً بهم، مثلما فعل الكرد بتحويل إقليم كردستان؛ لأن أغلبية سكانه من الكرد، ويعتقد متابعو الملف العراقي أن أهل السنة سيتبعون الكرد والشيعة وسيسعون إلى تكوين الإقليم الخاص بهم من المحافظات المتبقية (الموصل وصلاح الدين وديالى والأنبار وأجزاء كبيرة من كركوك).
هذا السيناريو المتوقع لما سيكون عليه العراق يُعمل الآن على تصديره إلى أفغانستان، وتُجرى الآن (بروفات) لتنفيذ مقدماته من خلال الانتخابات القادمة؛ إذ يتداول هذه الأيام مشروع تقسيم أفغانستان إلى أربع مناطق، وهو مشروع يحظى بدعم أمريكي، ويهدف إلى تسجيل الناخبين من خلال إيجاد ظروف ملائمة تتوافق مع ما تريده قوات التحالف الأمريكي الأطلسي في أفغانستان في وضع قائمة المرشحين وسجل الناخبين.
والنظام الانتخابي الذي وضعته واشنطن لأفغانستان لم يأخذ بعين الاعتبار الوضع المحلي الأفغاني، إلا أنه وبحجة تأمين الأمن للجان الانتخاب فلا يسمح إلا بتسجيل الناخبين في المدن الكبيرة؛ ما يعني حرمان أبناء الريف الذين لا يستطيعون دفع تكاليف النقل من قراهم إلى المدن.
العارفون ببواطن الأمور في أفغانستان يقولون إن الهدف من وراء ذلك هو حرمان أنصار كرزاي أو الأشخاص الذين لا يحظون برضاء واشنطن، وذلك من خلال وضع قوائم للناخبين تخدم ما يريدونه أن يصل إلى مجلس النواب وانتخاب رئيس الدولة.
إجراءات تسجيل الناخبين في المدن الكبرى وتقسيم أفغانستان إلى أربع مناطق انتخابية استُثنيت منها المناطق الشمالية التي أوصلت أوراق الترشيح إليها وفتحت قوائم الانتخابات بتأمين وحماية القوات الأمريكية؛ ما جعل المتابعين يتوقعون سعياً أمريكياً بصنع كيان شبه مستقل تحت مسمى إقليم الشمال على غرار إقليم كردستان في العراق، كبداية لتطبيق سيناريو تقسيم العراق في أفغانستان؛ حيث ستكون قوات الشمال التي كانت قاطرة الاحتلال لأفغانستان، تماماً مثلما كان الكرد قاطرة الاحتلال الأمريكي للعراق.
jaser@al-jazirah.com.sa