هل تمثل الصحافة قرون استشعار لما يدور في المجتمع؟ وهل يمثل الإعلام (بارومتر) يعكس حركة المشاعر والحرارة داخل المجتمع؟
هذه أسئلة أساسية يجب أن تسأل عن دور وسائل الإعلام في المجتمع..
وهذا السؤال هو سؤال محوري دارت حوله الكثير من الأبحاث والدراسات والمؤلفات في مختلف دول العالم.
فلنبدأ من إقرار أو عدم القناعة بأهمية أن تقوم وسائل الإعلام بهذا الدور، فمن لا يقتنع بهذا الدور فليرفع يده (أقصد قلمه) ويعبر عن ذلك. وهناك جدل كبير في هذه النقطة، فلكل مجتمع خصوصية قد تعزز من دور وسائل الإعلام وقد ترفض تبني مثل هذا الدور. ولكن السؤال الأهم بالنسبة لنا في الوطن العربي هل تلبي وسائل الإعلام الدور المجتمعي لها، بمعنى هل تمثل هذه الوسائل(بارومتر) حقيقيا يعكس ما يدور في المجتمع بكل تفاصيله وجمالياته وتشوهاته إن وجدت؟
وحتى يمكن أن يستدل شخص للإجابة عن مثل هذا السؤال، فليأخذ صحيفة من الصحف اليومية ويقرأها من أولها إلى آخرها، ويحفظها عن ظهر قلب.. ثم يختار عشرة مجالس من العائلة أو أطراف العائلة ومن مجموعة الأصدقاء في محيطه الاجتماعي، ويحدد أهم الموضوعات والقضايا والهموم التي تدور في هذه المجالس، وهل هذه القضايا ممثلة في وسائل الإعلام، أم أنها غير حاضرة تماما؟ وبعد ذلك يفتح جهازه ويتنقل من صفحة إلى صفحة ومن موقع إلى موقع ليعرف ما أهم القضايا التي تناولها الإنترنت عن مجتمعه؟ ويسأل نفسه ما مدى تطابق هذه القائمة التي وجدها في الإنترنت مع القائمة التي استنتجها من تواجده في المجالس؟ وأخير فليقارن بين القائمتين مع القائمة التي حفظها من صحيفة اليوم أو من وسائل الإعلام التي بثت هذا اليوم.
ويشير الباحثون الإعلاميون إلى أنه كلما تقاربت هذه القوائم نجحت وسائل الإعلام في دورها الاجتماعي في المجتمع وفي أن تعكس ما يدور في المجتمع وفي أذهان الجماهير من قضايا وهموم ومشاكل. وكلما تباعدت هذه القوائم، وأصبح لكل قائمة موضوعاتها المختلفة، نكون بهذا- ربما- قد فصلنا وسائل الإعلام عن دورها الاجتماعي المطلوب منها، فتصبح كل قائمة بهمومها وموضوعاتها منفصلة على الأخرى، وتحاكي جمهورا وموضوعات غير تلك التي تحاكيها القائمة الأخرى.. ويصبح المجتمع منقسما بين قائمة الإعلام وقائمة الجمهور وقائمة الإنترنت.
ولا أستطيع أن أجيب بدقة عن سؤال: هل لدينا في مجتمعنا المحلي ثلاث قوائم منفصلة عن بعضها البعض، أو لدينا قائمة واحدة مشتركة؟ أو لدينا قوائم متداخلة مع بعضها البعض؟ لأن هذا السؤال يحتاج إلى دراسات وبحوث علمية.. ويمكن للمهتم بهذا الشأن أن يراجع منهجيات نظريات علمية درسناها وندرسها في الإعلام، وخاصة نظرية تحديد الأولويات التي تشير إلى أن قوة الإعلام تتجسد في تأثيره على قائمة الجمهور.. ولكن تطبيق مثل هذه الدراسات تحتاج إلى تعديلات مهمة من الناحية المنهجية على ما طرحته في وضع هذه القوائم. ولكن يظل هذا السؤال العلمي والمنهجي مطلبا لدراسات إعلامية متخصصة في دور وسائل الإعلام في المجتمعات العربية.
ولكن لماذا تكتسب مثل هذه الدراسات ومثل هذه الأسئلة أهمية علمية وأهمية اجتماعية؟ لا شك أن انفصال هذه القوائم وتباعدها عن بعضها البعض بحيث تصبح كل قائمة مستقلة عن الأخرى يعطي إشارة واضحة إلى أن الإعلام يعمل في واد، والجمهور يعمل في واد آخر، وناهيك عن الإنترنت الذي يعمل عادة في أودية أخرى. ولا توجد قاعدة مشتركة تربط جميع هذه القوائم مع بعضها في اهتمامات وقضايا وطنية مشتركة، إضافة إلى الاستنتاج بأن الإعلام بدأ يفقد مصداقيته لدى الجمهور العام في المجتمع، وتحول من إعلام نبض الشارع إلى إعلام رؤية المؤسسة، ومن الإعلام العام إلى الإعلام الخاص. ويصبح ما قد يتداوله الرأي العام أشبه ما يكون خارجا عن أسوار الإعلام الوطني، وهنا تكمن خطورة غياب مثل هذا الإعلام عن تناول قضايا وهموم محلية وتركه المجال إلى أحاديث المجالس والديوانيات، وكذلك إلى مهاترات الإنترنت ومواقعه المغرضة.
المشكلة التي قد يواجهها أي مجتمع بمثل هذه المواصفات تكمن في غياب صوت المؤسسة الرسمية في كثير من الأمور والموضوعات والقضايا التي يتناولها الرأي العام، وقد تكون لصيقة لأهمية أو بعد استراتيجي محلي. والحلول طبعا تنطلق من رؤية واضحة لدور الإعلام في المجتمع وهي أن الإعلام يجب أن يتدخل ويتداخل مع القضايا والموضوعات الاجتماعية وإلا سيترك كل من هب ودب ومن له أغراض أخرى يهيمن على ساحة الرأي العام المحلي.
* المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية
أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.sa