Al Jazirah NewsPaper Saturday  27/12/2008 G Issue 13239
السبت 29 ذو الحجة 1429   العدد  13239
تاريخ الفتوى ونظرية التطور..
عبد العزيز السماري

تشكل الفتوى في المجتمع السعودي المرجعية الأهم في توجيه الناس إلى كيفية التعامل مع المستجدات الحديثة في المعرفة والإعلام والترفيه والتكنولوجيا، وصل اتكال الناس على الفتوى إلى حد سؤال المفتى عن مثلاً حكم ارتباط آلة التصوير مع الهاتف النقال، وعن حكم استعمال الجرس على الباب، وعن لبس العدسات اللاصقة، بينما لو رجعنا عقدين من الزمان إلى الخلف لوجدنا أن صيغة السؤال والإجابة مختلفة وأكثر بدائية، فسؤال العامة في ذلك الوقت كان عن حكم استعمال آلة التصوير وحكم متابعة واقتناء التلفاز، ولو عدنا أيضاً إلى عقدين آخرين من الزمان لاختلفت نمطية السؤال ولوجدناه عن مثلاً حكم استعمال الراديو والميكروفون وهكذا.. ولو عدنا إلى ما قبل قرن أو أكثر لاكتشفنا أن سؤال العامة كان يتمحور عن حكم لبس العقال على (الغترة)..

تغييب سيرة الفتاوي أو منع تداول كتبها لمراحل زمنية سبقت يقلل من فرص فهم هذا التباين الواضح بين أحكام الفتاوي بين مرحلة وأخرى، فمثلاً نجد صعوبة في الوصول إلى فتاوي الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله وغيره من مفتي المراحل السابقة لعهده مثل المشايخ ابن عتيق وعبدالله بن عبداللطيف وابن سمحان، وأيضا إلى تاريخ الاختلاف بين علماء القرن الثامن عشر ما بين علماء الدرعية والقصيم ومكة المكرمة وأثره في نشوء التيارات المتطرفة.. أثار اهتمامي مقابلة سابقة للشيخ أحمد بن باز في حوار مع صحيفة الوطن السعودية في 13 سبتمبر 2008 قال فيها: (إن تغير الصورة المحيطة بالحالة يستوجب تغير الحكم الشرعي، ذاهباًً إلى أن فتاوي والده ليست صالحة لكل الحالات، وإن لكل فتوى حالتها المعينة خصوصاً حين تكون اجتهادية فيما لم يرد فيه دليل صريح من القرآن والسنة، سواء كانت هذه الفتوى للشيخ ابن باز أو للشيخ ابن عثيمين أو غيرهما من العلماء)...

ما ذكره الشيخ أحمد يؤكد ما كان ولا يزال الحال عليه في تاريخ الفتاوي خلال القرنين الماضيين، وهو تطور المراحل وانتهاء صلاحيات بعض فتاويها بمجرد الخروج عن عصرها.. لكن مجمل الفتاوي كان مرتبطاً بأشهر علماء كل عصر، ولم تمثل في واقع الأمر إجماع فقهاء ذلك العصر بل اجتهاد أكثرهم حضوراً ونفوذاً، لكن ذلك لم يمنع من إدراك تطور معاني الفتاوي بتعاقب المراحل الزمنية وفي تغير مواقفها مع مرور الزمن، و ربما حان الوقت للخروج من عشوائية الرأي والاجتهاد في الفتوى إلى إقرار إجماع فقهاء العصر بغض النظر عن فتاوي العصور السابقة..

وهو ما أشار إليه الإمام محمد بن جرير الطبري (839 - 923).. عندما عرّف الإجماع بإجماع علماء العصر أي أولئك الذين يعيشون ذلك العصر، وليس الذين عاشوا في عصور مضت.. وهذا المنطق لم يكن له حضور في مراحل تاريخ الفتاوي محلياً، ولم يكن يعكس اجتهاداً جماعياً لفقهاء تلك العصر، لكنها أي الفتوى اتسمت بنوع من التطور مع تعاقب المراحل، وهو دليل حي على صحة نظرية التطور في العلوم، وبضرورة فتح المجال على مصراعيه لمسايرة حركة التطور الإنساني الذي لا يخالف مقاصد الأصول الإسلامية.. لكن الإشكالية أن الفتاوي ظلت في مجملها في مؤخرة ركب التطور، وقد تبرر أحياناً للتخلف باسم الدين..

لم تحصل رؤية الإمام الطبري في تعريف الإجماع على التأييد في القرون الأولى، فعلى سبيل المثال جوز كثير من الأعلام للمرأة تولي المسؤوليات، وأخذ الإمام محمد بن جرير الطبري صاحب رأي إجماع أهل العصر بهذا الاجتهاد بناءً على الأكثرية ولأن تكون المرأة حاكمًا في كل شيء ومن دون قيود، وذلك قياساًَ على الفتيا، واعتباراً منهم للإجماع الحاصل على جواز تولي المرأة مهمة الإفتاء الديني ورواية الحديث والتبليغ عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

وبما أن المرأة مارست الإفتاء في مختلف الأحكام (الديني منها والسياسي والشرعي والعسكري..)، فقد حق لها تولي كافة المناصب.. لكن هذا الإجماع في ذلك العصر لم يؤخذ به نظراً لوقوف أشهر علماء تلك المرحلة ضد مبدأ الإجماع.. وقد كانت مواقفهم مناهضة لحركة اتجاه التطور في تاريخ الاجتهاد في الإسلام..



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6871 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد