دارفور جزء من الكيان السوداني قتل فيه مئات الآلاف أو ماتوا، تشرد ما لا يقل عن 2.5 مليون واقتلعوا من مساكنهم، ومعظم الضحايا من النساء والضعفاء والصغار، من أعظم إبادة جماعية genocide يشهدها القرن الحالي. الحروب الأهلية،
ومنها القتال بين صرب الكروات، يؤيدهم اليوغسلاف ضد مسلمي البوسنا، كانت تلكم الحرب تطهيراً عرقياً هي الأخرى ethnic cleansing في الأقل وحرب إبادة جماعية في الأكثر.
وهنالك سؤال حول عدالة الغرب، يجب تقرير الواقع فلا يمكن مساواة الضحايا بالمعتدين، وكان هنالك القدرة من الجانب الإعلامي بأن توضح القصة بحلوها ومرها، وعندما ركز عليها إعلامياً أجبرت أمريكا على التدخل مع حلفائها لحل المشكلة في عام 1995م. قتل مئات الألوف، ومعظمهم من المسلمين، ثم توقفت الحرب بعد التدخل الذي نجح من الناحية الأمنية والعسكرية والسياسية.
سراييفو، عاصمة البوسنا والهرسك، بعد ثلاثة عشر عاماً من اتفاق ديتون الذي أنهى الحرب العرقية في يوغوسلافيا (سابقاً) تعاني من الفقر والتفرقة في أيامنا هذه. وشبح الصرب، أعظم مجزرة شهدتها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، لا يزال ماثلاً، إلا أن الهرسكيين يفضلون في الوقت الحاضر الحديث عن الرئيس الأمريكي المنتخب أو الأزمة المالية العالمية.
واتفاق ديتون قسم بوسنيا، إحدى جمهوريات يوغسلافيا، إلى اتحاد كرواتي مسلم وجمهورية صربية. والآن ذلكم السلام، الذي جاء بصعوبة، ازداد تعقيداً بإعلان استقلال كوسوفو عن صربيا في شهر فبراير من العام الحالي، والذي قد يدفع بالصرب لإعلان الشيء نفسه، وهذا سيدفع بالإقليم إلى صراع مهلك. مناطق الصراع القديمة لا يجب إسدال الستار عليها، لا بد من توجيه الانتباه إلى البوسنة مرة أخرى، وسيدفع العالم ثمناً باهظاً إن لم ينتبه إلى ذلك، ويمكن أن يقال الشيء نفسه بالنسبة لمناطق صراع أخرى سابقة في العالم. اتفاق ديتون عام 1995م السابق الإشارة إليه، حقق هدفه بإنهاء حرب همجية استمرت ثلاثة أعوام ونصف العام، راح ضحيتها 100 ألف، معظمهم من المسلمين، إضافة إلى مليون من المسلمين والصرب والكروات أخرجوا من مساكنهم.
وفي غفلة من العالم وانشغاله بفوز مانديلا رئيساً لدولة جنوب إفريقيا، وبمحاكمة أو جي سمسن، لاعب الكرة الأمريكية المشهور، المتهم بقتل زوجته، كانت الإبادة الجماعية لثمانمائة ألف من الروانديين. أباد الهوتويون (الأغلبية) التوتسيين (الأقلية). والعسكري الرواندي السابق قد تم الحكم عليه لقاء ما قام به من الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، حيث كان المدبر لقتل ما يربو على نصف مليون من البشر خلال 100 يوم في عام 1994م. في محكمة الأمم المتحدة في تنزانيا حكم على بوجوسورا الرواندي، البالغ من العمر 67 عاماً، بالسجن مدى الحياة. لقد اعتذر سكرتير الأمم المتحدة السابق كوفي أنان والرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون للفشل في عدم التدخل لإيقاف فتك الهوتيين بالتوتسيين.
أما تنظيم (عسكر طيبة) الباكستاني Lashkar-e-Taiba الذي أعلن مؤخراً بأن الحكومة الباكستانية أصدرت حكماً بالإقامة الجبرية على حافظ سعيد، قائد التنظيم، كما أغلقت مكاتب المنظمة للاشتباه بارتباطها باعتداءات مومباي، وتلعب قضية الصراع حول (كشمير) بين الهند والباكستان دوراً في تأزم الأوضاع بين البلدين. وقد يكون قيام هذا التنظيم (عسكر طيبة) وتنظيم (الجهاد) من إفرازات الصراع بين المسلمين والهندوس في الهند. وإذا كانت أصابع الاتهام توجه للمنظمة في أحداث مومباي الهندية، فقد يعتبر ذلك ردود أفعال أو مسألة ثأر ضد ما يلحق بالمسلمين في الهند من أضرار. وهنالك من يذهب إلى أن ما حدث بمثابة العملية التكتيكية لتحويل الجنود الباكستانيين من الجبهة الغربية مع أفغانستان إلى الجبهة الشرقية مع الهند، وقد يكون ذلك بتنسيق مع طالبان والقاعدة.
وهنالك جانب آخر يتعلق بالفرق بين المنظمات الإرهابية والجرائم المنظمة، فرق في المنطلقات والمبادئ، وقد يكون هنالك نقاط التقاء بينها. الربح المادي هو المحفز للمجرمين بينما تحفز الأيديولوجيات الإرهابيين.
وللنوعين من النشاطات غير المشروعة الاحتياجات نفسها، المجرمون والإرهابيون في حاجة إلى: المال والسلاح والمعلومات والاتصالات والتدريب كما أنهم في أمس الحاجة إلى المساكن الآمنة، فهذه إذن أمور مشتركة بين النوعين من الخارجين على السلطة والشرعية. أما وسائلهم فمتعددة للحصول على احتياجاتهم الأساسية، فيمارسون التهريب والسطو والسرقة والابتزاز والتزوير، وجميع ما يحلو لهم من وسائل تحقق غاياتهم ومآربهم الشنيعة.
لقد حذرت منظمة الدول الأمريكية بانتشار الجريمة في أمريكا اللاتينية التي يساعد على تفشيها عصابات الشوارع ومهربو المخدرات والفقر، ويفوق القتل بالسلاح فيها المعدل العالمي بأربع مرات. وعلى سبيل المثال في جواتيمالا يوجد فساد في مراكز الشرطة وابتزاز بشع من قبل العصابات، ومنذ خمس وعشرين عاماً كان العدو الأول اليساريون الخارجون على الحكومة الجواتيمالية. وهؤلاء يتصفون بصفات الخارجين على السلطة في أي مكان: القتل والتخريب والانحراف والمعاداة للمبادئ والقيم الاجتماعية. ومن أعداء ذلكم المجتمع اليوم (الماراس) عصابات شوارع يقدر عدد الأعضاء المنتمين إليها بثمانين ألفاً، وتعرف حملات القضاء عليهم أو اجتثاثهم ب(التطهير الاجتماعي).
أما الأوكار والبؤر المناسبة لنمو الجريمة المنظمة والإرهاب ففتش عنها في الأحياء الفقيرة من المدن الكبرى، تنشأ هنالك عصابات وفصائل الشوارع ثم تتحول إلى معسكرات ومنظمات إجرامية وإرهابية، يكون دافعها المال أحياناً والأيديولوجيات في أحايين أخرى. القاعدة، على سبيل المثال استطاعت جمع الأموال من مصادر متعددة، أما منظمات إرهابية أخرى فتجمع الأموال بطرق مختلفة: تهريب السلاح والذهب والمخدرات والابتزاز والسطو على أجهزة السحب النقدي وسرقة بطاقات الائتمان، ولدى هؤلاء مقولة: (نأخذ دماءهم فلم لا نأخذ أموالهم). وتستثمر الجماعات الإرهابية والإجرامية المتاح من وسائل النقل والاتصالات، ومن ذلك استعمال الهاتف المحمول والطائرات وتحرك عناصرها وأموالها وما تحتاجه من منتجات عبر هذه الوسائل.
ولقد بينت دراسة جمعت معلوماتها من جهات أمنية واستخبارية أكدت وجود العلاقة الوطيدة بين المنظمات الإرهابية والإجرامية في مناطق من العالم تتركز فيها الصراعات الأيديولوجية والاقتصادية والسياسية. وينحدر المنتمون لهذه الجماعات من أسر تعيش في بيئات متدهورة من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية. ومن سبل الحد من انتشار هذه المجموعات واستفحالها تنظيف البؤر التي تنشأ فيها وذلك يرتبط بتنمية هذه المناطق وإتاحة الفرص الاقتصادية وتحسين الأوضاع الاجتماعية لسكانها، وذلكم أنجع طريقة للتعامل مع جذور الجريمة والإرهاب. وباختصار لا بد من أن تعالج المناطق التي تولد وتترعرع فيها الجريمة والإرهاب.