كنت صغيراً في مدارس الأبناء بتبوك وكانت موسيقى الجيش. تعزف لنا السلام الملكي.. إذ ذاك لم يكن يكتب النشيد بعد.. وفي احتفالات نهاية العام كانت لعبة الكراسي العامل الثابت في احتفالاتنا.. كنا عشرة وثمة 9 كراسي، علينا أن ندور حولها وعند توقف الموسيقى علينا أن نتطاحن في الجلوس على أقرب كرسي.. وهكذا - من لا يستطيع يخرج ويخرج معه كرسي- حتى نصبح اثنين نتسابق على كرسي واحد.. الآن أتذكر بما يشبه المرارة هذه السنوات الجميلة التي لم يبق من ذاكرتها وذكراها غير.. السباق على الكراسي.
وأتأمل من أين جاءت هذه اللعبة التسلقية الفجة، ومن أي دماغ نبتت فكرة اعتلاء الكرسي حتى أنني وبما يشبه الواجد كنزا معرفيا. بدأت أعزو كل انقلابات العرب العسكرية أياً كانت ل(لعبة الكراسي) التي كانت حاضرة في رؤوسهم مع فارق بسيط هو استبدال الموسيقى بالسلاح، وتنجح مرة وأخرى يسيل عليها الدم، وكل عام تعود اللعبة مع نهاية الفصل المدرسي الأخير.
الآن انتفت الموسيقى واللعب الطفولي والاحتفالية.. وأصبح أي (متمسئل) حتى لو كان ارتفاع كرسيه ثلاثة سنتيمترات عن سطح الأرض لا ينزل عنه؛ لسبب بسيط أنه والكرسي أصبحا (واحد) والتصقا حتى أنك لا تستطيع أن تميز أحدهما عن الآخر، ولا تستطيع فصلهما عن بعض خشية انكسار الكرسي أو موته.
لذا.. باعدوا بين أجسامكم والكراسي، ولا تمكثوا كثيرا عليها حتى لا يستوطنكم وتصبحوه..
قلت لصديقي المتمسئل ذات زمن (احذر أن ينمو الكرسي.. احذر أن تصغر).
لا صديقي صَغُر
ولا الكرسي نما..
فقط.. لأنهما ماتا
متقاتلين.