يشتد برد الرياض، كما يقسو صيفها..
ورقاء تحب أن تغادر في الشتاء إلى مدن أشد زمهريرية..
وفي الصيف تحلو لها محطات السفر..
ورقاء تحدث عن شتاء المدن الثلجية بأنها لا تقسو عليها حين تأوي لحجرتها فإنها تحسر عنها أردية البرد حيث النظام الآلي للتدفئة المركزية يعم الأبنية ما ضاق وصغر وتفرد منها.., وما علا وكبر واتسع.., فمواجهة البرد لا تكون إلا في لحظة مرور عابر بسطح الأرض...
كما يكون حال الصيف مهيأة فيه نسائم التلطيف...
هنا في الرياض البرد يعصف في كل مكان...
لا ينجو منه إلا ذو اقتدار..
فنظام البناء وعمارة الإسكان لا تعير المناخ لفتة مصمم يهندسها على ما تكون عليه تقلباته..
ورقاء تحدث بأن الشارع يكتظ بالعربات لأن الأبنية الشاهقة التي تصطف كما مستقبلين لعابر فخم لا تفسح لمواقفها عند قصد ركابها لمتجر تبضع، أو عيادة استشفاء، أو مكتب خدمات..
وبقدر ما تضيق ورقاء بهذا الاكتظاظ في الصيف بقدر ما تفعل في الشتاء: فورقاء تفض عن دفء الزحمة بزهق الانتظار..
لكنها تهرب عن تسرب الصقيع لمفاصلها..
ورقاء أحدثها: هل كل مبترد ومحتر تنيخ عند خزينته المحطات..؟ يسهل عليه الرحيل وتطيعه الدريهمات..؟ بل يملك وقته فيسخره للمواسم والمناخات..؟
ورقاء أسائلها: ما تقول عن مكافح لا يأوي لداره إلا وكل سلامة فيه تئن من الجهد..؟
أو مستسلم لسطوة الصقيع لا يقوى على مواجهته..؟ أو عَطِش يستلهم قطرةَ سحابة في لحظة تجلد الشمسُ عراه..؟
ما تقول لقدم تركض خلف حافلة..؟ أو تقف في انتظار الرغيف..؟ خلفها عصافير تتنامى في جلودها الكدمات..؟..
ورقاء مترفة لا تشعر بحاجة الجائع ولا بلهفة المحتاج ولا بعراء الفقير ولا بصوت الكسير..
ورقاء تغض بصيرتها عن حرف في بهجة الشارع بالمطر, وعن كلمة في عبارة المستدفئين بتعبهم.., وعن جملة في كتاب الإحساس, بأود لقمة من عرق الركض, في مواسم الإمطار والإمحال.., البرد بزمهريره والصيف بقيظه..
ورقاء تتسلى عند الغروب, بكوب من الزهر الدافئ, وتجلد الوطن...!