د. حسن أمين الشقطي *
تريليون ومائة مليار ريال إيرادات حكومية تم إقرارها، و590 مليار ريال فائض مالي في ميزانية عام 2008، وما يزيد على 1400 مليار ريال حجم الفوائض المالية المتراكمة في الميزانية الحكومية على مدى السنوات الست الأخيرة.. محفزات رسمية قياسية أعلنت هذا الأسبوع.. أخذ الجميع بمعطياتها الإيجابية كل فيما يخصه، إلا سوق الأسهم المحلية أبت أن تستجيب لها بأي شكل سوى بمزيد من الهبوط والتراجع.. وخسر المؤشر هذا الأسبوع نحو 235 نقطة جديدة ليتجاوز حجم خسائره منذ بداية العام نحو 58%، وليصل حجم خسائر رسملة السوق إلى حوالي 1042 مليار ريال منذ بداية العام.. وعلى الرغم من وجود عامل سلبي أو مبرر للهبوط يتمثل في استمرار ورود الأخبار السلبية عن تفاقم حدة الأزمة المالية العالمية، إلا أن الأمر يستدعي التفكير من جديد حول الهبوط الحاد أو استمرار التراجع وأسباب تمسك المؤشر بالمستوى الحالي ما بين 4600 إلى 4900 نقطة؟ إن الأمر لا يمكن أن يسير على نحو مفتوح؟ بل ينبغي أن ننظر من الجانب الآخر والبحث في احتمالية أن يكون الهبوط الحالي ناجم عن أزمة أو مشكلات محلية لا علاقة لها بالأزمة العالمية؟ وخاصة عندما يستقل الاقتصاد المحلي ككل عن هذه الأزمة ويحرز أعلى إيرادات وأعلى فائض مالي في تاريخ ميزانياته؟
ضعف حركة التداول بعد صدور محفزات الميزانية
إذا تقبلنا الهبوط الحاد الذي حدث بالسوق يوم السبت الماضي الذي خسر فيه المؤشر 198 نقطة، فإنه قد لا يمكن تقبل حالة الضعف التي عانت منها حركة التداول يومي الثلاثاء والأربعاء التي خسر فيها المؤشر 79 نقطة، في ظل مناخ إيجابي مليء بالمحفزات عقب صدور أرقام ميزانية عام 2008، وموازنة عام 2009. المؤشر رفض كلية الاستجابة لهذه المعطيات القياسية للاقتصاد الوطني التي أزالت كل المخاوف المرتبطة باحتمالات تأثره بالأزمة العالمية أو بتراجع أسعار النفط.. إن المشكلة لم تكن مجرد هبوط طفيف، ولكنها تبلورت في ضعف عام في حركة التداول ظهر بوضوح في قيم السيولة اليومية المتداولة التي لم تزد على 3.8 مليار ريال يوميا، وهي قيمة متدنية لا يمكن أن تصنع استقرارا للسوق.
من جديد.. سابك تخسر 11.9%
نحن من المؤيدين لمقولة ان (السوق هو سابك)، وليس العكس.. فكلما ساء الوضع السوقي أو المالي لشركة سابك، كلما ساء وضع السوق ككل، مهما امتلك السوق من محفزات.. وهو بالفعل ما حدث هذا الأسبوع حيث إن محفز التريليون ومائة مليار ريال كإيرادات للميزانية لم يسطع أن يصنع شيئاً للمؤشر في ضوء الهبوط الحاد لسهم سابك، حيث فقد السهم 11.9% هذا الأسبوع.. وإذا كانت الميزانية الحكومية سواء الفعلية لعام 2008، أو التقديرية لعام 2009 لم تتأثر بالشكل السلبي المخيف من تراجع أسعار النفط سواء في عام 2008 أو حتى التراجع المحتمل في 2009، فإن شركة سابك يبدو أنها تأثرت ولا تزال تتأثر بشكل سلبي أكثر سوءا.. إن الضعف الشديد في حركة التداول يعطي انطباعاً أن صناع السوق لديهم هواجس تفوق هواجس المحللين تجاه الشركات القيادية الكبرى. ولسان الحال يقول ان نتائج الشركة تحمل أخباراً سلبية، وهنا لن يكون تأثيرها في سهم الشركة فقط، ولكن على السوق ككل.. الأخبار السلبية يمكن أن تفسر لماذا المضاربون وقناصو الفرص لم يستغلوا الحافز الإيجابي للميزانية الجديدة في أي عمليات مضاربية هنا أو هناك؟ بالطبع نتيجة الخوف من مفاجآت سلبية قد لا يسعفهم الوقت لجني أي أرباح من أي مضاربات؟
(صانعو السوق الثقة) يسيطرون من جديد على مسار التداول
الأمر المستغرب بعد كم الإصلاحات الهائلة التي تم استحداثها في السوق وبعد تفتت الملكية وبعد الضربات المتتالية للعديد من كبار المضاربين، وأيضاً بعد زيادة عمق السوق.. بعد كل ذلك تعود من جديد نبرات أن السوق ستهبط أو ستصعد يوم كذا بنقاط كذا.. الغريب أن هذه الشائعات لا تزال تصدق بين الحين والآخر، وصدقها هو الذي يصنع الأخذ بها بقوة عندما ترد في آن آخر.. إن السؤال من يصنع هذه الأقاويل؟ لن نسميها شائعات لأنها ليست شائعات.. بل حقائق تصدق فعلا في كثير من الأحيان.. عندما يأتي فرد ويقول اني سمعت من مصدر ثقة أن السوق ستهبط في يوم السبت، فقد أصبح يقينا أن السوق تهبط في ذات اليوم وبنفس القيمة أو قريبا منها؟ كيف يمكن أن يتمكن فرد مهما كان من صناعة المؤشر بهذا الشكل.. إن هيئة السوق ينبغي أن تكون يقظة لمثل هذه الأوقايل التي تقود السوق فعلا، وتقود توجهات المتداولين فيه.
الترقب.. يقود سلبية المؤشر
بالفعل فإننا نقدر حالة الترقب المشوب بالخوف الذي ينتاب كل المتداولين في ضوء انتظار صدور نتائج أعمال الشركات للربع الرابع، التي تكتنفها حالة تشاؤمية أكثر منها تفاؤلية.. لأنه هو الربع الذي يتضمن فعلا نتائج الأزمة المالية العالمية على الشركات.. الذي سيبرز مدى حقيقة الخاسرين فيها وبسببها. وللأسف فإن التكهنات السلبية والمخاوف تتزايد حول قطاعين، هما المصارف والبتروكيماويات. وقد كانت المخاوف في البداية أكثر من قطاع المصارف، إلا أن قطاع البتروكيمياويات أصبح الآن أكثر خوفاً نتيجة التراجع الحاد في أسعار النفط..
هل يستحق المؤشر أكثر - أقل من مستواه الحالي؟
إنه السؤال الأكثر أهمية لكي نجيب عن سؤال آخر.. وهو هل ضعف السيولة المتداولة حالياً هو نتيجة خوف المتداولين أم عدم اقتناعهم بالمستوى الحالي للمؤشر؟ هل فعلا البعض يرى أن المؤشر ينبغي أن يكون تحت المستوى الحالي؟ حتى الآن لا يوجد قياس للمستوى العادل للمؤشر يمكن الاعتماد على مصداقيته.. وذلك ليس اهمالا لأهمية هذا المستوى العادل، ولكن حقيقة بسبب ضعف البيانات والمعلومات التي يمكن قياس هذا المستوى بناء عليها.
ومن الصعب حساب السعر العادل لسابك وأيضا للراجحي وأيضاً للمصارف، ليس لشيء، سوى لأن قوائم هذه الشركات تتضمن العديد من الأرقام المعنوية أكثر منها مادية.. وتتضمن تقييما لشهرات وفي أحيان أخرى لقيم لا يمكن صياغة تقييم حقيقي وعادل لها.. لذلك، فإن معرفة مدى استحقاق المؤشر لقيمته الحالية أو استحقاقه لأكثر أو أقل منها يعتمد على رؤية هيئة السوق للسعر العادل للسوق ككل؟ كيف تراه؟ إن هذه الرؤية تلعب دوراً يفوق دور أسعار النفط في التأثير على سعر سابك وعلى السوق ككل.
* محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com