Al Jazirah NewsPaper Wednesday  24/12/2008 G Issue 13236
الاربعاء 26 ذو الحجة 1429   العدد  13236
سطور من الذاكرة
عبدالعزيز الصالح

كثيراً ما يجلس المرء في خلوة مع نفسه ويعيد شريط الذكريات ويتذكر الماضي القريب والبعيد ليستعيد تلك الفترات من العمر التي مرت بحلوها ومرها وأفراحها وأتراحها.. وقفت يوماً من الأيام..

لحظات طويلة أفكر مراراً وتكراراً وأتأمل كثيراً كيف أكتب موضوعاً يتناسب مع سيرة والدي، صالح محمد الصالح وفقه الله وأخذت أستجمع معلوماتي التاريخية والنحوية والبلاغية لكي يتسنى لي وضع هذه الكلمات والجمل، والعبارات في مفردات لغوية بليغة وجميلة وشيقة وكنت سعيداً جداً وأنا أسترسل حديثي عن تلك السيرة المتواضعة والبسيطة عبر هذه الأسطر القليلة الحافلة بالعطاء المتواصل، خلال أكثر من ثلاثة عقود.

أطال الله بقائه وأمده بالصحة والعافية والعمر المديد على طاعة الله تعالى ويطيب لي التحدث عن كفاحه وكده وتعبه وعنائه وعن المشاق والمتاعب التي واجهته خلال الأزمنة الماضية من أجل المادة أسوة بمن كانوا معه من الأصحاب والأقران والأصدقاء في زمن كانت الأمور المادية قليلة جداً والأعمال في ذلك الوقت كانت بسيطة تعتمد بعد الله على الزراعة والرعي والتنقل والترحال شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً بحثاً عن العمل والمأكل والمشرب وقد امتهن والدي حرفة الزراعة التي اكتسبها من والده يرحمه الله في ذلك الوقت بحكم المزرعة التي يملكها ويقال لها مزرعة (نبعان) سابقاً التي تقع في الجهة الغربية الجنوبية من بلدة (عرقة) إلى جانب مهنة اجتثاث فسائل النخيل وغرسها وعمل بهذه المهنة الشاقة أكثر من ثلاثة عقود وهو يزاول الزراعة واجتثاث فسائل النخيل حتى أصبح على مر الأيام والسنوات مهندساً زراعياً بدون مؤهل علمي يحمله ملماً بقواعد وأسس الزراعة على أصولها الصحيحة قديماً وحديثاً ملماً بمعرفة أوقات زراعة المحاصيل الزراعية على أصولها الحديثة عبر الفصول الأربعة ملماً بمعرفة فسائل النخيل بشتى أنواعها وأشكالها الجيد والمتوسط والرديء وملماً بطرق كميات اللقاح التي تحتاجها النخلة الواحدة بدون زيادة أو نقصان وكل نوعية من النخيل تختلف عن النوعية الأخرى فعلى سبيل المثال لا الحصر الخلاص والنّبوت بشتى أنواعه والبرحي والمنيفي والسكري بشتى أنواعه.. إلخ لها كمية محددة من اللقاح تختلف عن الأنواع الأخرى وبعد هذا وذاك من الكفاح الطويل والعناء والتعب الشديد في مجال الزراعة وكذلك الترحال والتنقل من مكان إلى مكان فكر والدي وفقه الله يوماً من الأيام أن يبحث عن عمل أقل تعباً وأوفر مالاً وأن يكون العمل يتناسب مع مهنته الحالية وكان التفكير يلازمه ليلاً ونهاراً حتى استقر به المقام على وظيفة حكومية تتناسب مع مهنته إلى جانب عمله في الزراعة وقد مكث فترة من الوقت في هذه الوظيفة وكان حريصاً على الحضور والانصراف يبذل قصارى جهده لا يعرف الكلل والملل في عمله وكان محاطاً من قبل الهيئة الإدارية كافة بالاحترام والتقدير إلى جانب ما يتمتع به من دماثة في الأخلاق وتواضع جم وسمو طبعه وكرمه ونزاهة ضميره ونبل مواقفه وحسن تعامله مع الكبير والصغير ومع القريب والبعيد وصفاء نفسه وورعه حتى أحيل على التقاعد ولا يزال الوالد يمارس هذه المهنة على نطاق بسيط فقد اكتسب من عمله تجارب كثيرة من الصبر والجلد والإصرار والعزيمة والكفاح والدروس والعبر والمواقف المتعددة وعدم الاتكالية على الغير حتى اكتسب محبة الناس على اختلاف مستوياتهم المادية والعلمية والاجتماعية واحترامهم له وثقتهم فيه وإخلاصه في تأدية عمله فقد ترك العمل منذ فترة ليست بالقصيرة لأن قواه الجسمية لا تساعده على العمل لفترة طويلة إلا أنه أصبح الآن مرجعاً لتلك الأمور الزراعية وشتى طرقها المختلفة للأحبة والأصدقاء والزملاء يسألونه ويستفسرون منه في شؤون الزراعة بشكل خاص وتكون الإجابة سريعة بدون تريث أو تلعثم أو تردد جراء ما يملكه من معلومات وخبرات في هذا المجال المهم وأصبح بعد الله مستنداً للحكمة والموعظة والتجربة والخبرة والنصح في شؤون الحياة.

وقد أعد بحثاً مصغراً عن النخلة بشكل خاص وعن الزراعة بشكل عام سيخرج على النور قريباً إن شاء الله.

ما أحلى تلك الذكريات

والأيام الماضية الجميلة.

الرياض



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد