تذكرتها حين اقتحمت علي المكتب وكنت في ساعة عمل عاجل لا يستوعب تجاوزها من أجل أن تتصدر موقعاً ما في حيز المكان.. ولم تكن فقط قد تجاوزت بدخولها عنوة بل استخدمت أصواتها كلها ذلك لأنها تشعر بقوة ما في داخلها فكانت بالنسبة لي ضعيفة أشفقت عليها... تلك اللحظة أذكر بأنها اعتلى صوتها تسألني وهي تدك المكتب بيدها: لم لا تنظرين في عيني وأنا أتكلم... كان صوتي يجيبها صامتاً: لأن قوتي ليست في تجاوز القدم ولا الصوت...
هذه الثقافة تسود عند كل من يشعر في داخله قوة ويمنح نفسه أن يمارسها بغير ضوابط فإن قابل من هو أقوى منه إما أن يتصادما في حالة تماثل القوتين.. وإما أن تكون خسارته أشد إن هو واجه قوة أكثر قدرة على التسامي وأوسع نفوذاً في التنفيذ..
هذه الثقافة كثيراً ما نشاهدها في كل من يتجاوز.. وهناك من يتجاوز سهواً أو خطأً أو اضطراراً ولكل منهم حالاته ومواقفه وأشكال تجاوزه ومثل هؤلاء خارج سرب الآخرين الذين يتجاوزون ظناً بعيداً في قدراتهم ومن ثم يقعون ضحية هذا التجاوز عندما يكون هنا في المقابل قوة أخرى تتصدى لهم..
لا أخرج عن هؤلاء من يتجاوزون الإشارات الحمراء في السير ومع تجاوزهم تكون مؤشرات السرعة أيضا متجاوزة...
أذكر أنني ذات موقف هاتفت أخي العقيد عبدالرحمن المقبل مدير مرور منطقة الرياض بشأن الشكر لموقف أخلاقي راقٍ واجهته من بعض رجاله في طريق المطار وهم يحتوون شاباً أخطأ وتجاوز لكن بسبب طارئ فلم يعفه النظام من العقوبة لكن عفاه حسن التصرف والخلق من تأنيب الضمير.. فقال لي أخي المقبل: (نحن لا تنام لنا عين حتى نجد كل الآباء بل الشباب أنفسهم قد تحلوا بثقافة النظام).. ومع انحسار هذه الثقافة فإن كل جهد يبذله جهاز عمل سيبقى هناك من يتجاوزه لكن الفيصل يكون قوة النظام المقابل لثقافة القوة في التجاوز..
هذا الحوار الداخلي الذي رفعت به هذه الكلمات من حيز الجوف لحيز أنظاركم جاء وأنا بجوار غرفة الطوارئ التي ترقد فيها زميلتان من جامعة الملك عبدالعزيز كانتا في مهمة عمل متجهتين للمطار فقابلهما متجاوزاً بقوته إشارة المرور ومستوى السرعة فأردى واحدة منهما للعناية المركزة وأصاب الأخرى بفزع المفاجأة وأرسل السائق للمصحة وحطم العربتين.. ولا أدري ما الذي يحمله من إحساس تجاه تعطيل تام لكل ما كان لهما من برنامج عمل؟... وما حصده عما فعل من الخسائر العديدة.. ؟
ترى متى وكيف تستبدل ثقافة القوة السالبة إلى ثقافة قوة موجبة ليستتب لأي نظام وتحديداً المرور جو من التنفيذ في مرونة وانسيابية ولا يكون مثل هؤلاء بقافتهم في زوايا النتائج الخاسرة..؟