الثورة كلمة عربية معبرة نتحاشاها دائماً بسبب تلوثها بنتائج الثورات العسكرية التي اجتاحت العالم الثالث إبان الستينيات الميلادية من القرن المنصرم.. والتي أخرت البلاد وأفقرت العباد وأهلكت الحرث وأوردت الدول التي تعرضت لها موارد الهلاك.. ومع هذا فإنني لا أجد وصفاً لحالة التعليم العالي في المملكة العربية السعودية اليوم سوى الوصف بالثورة.. فالطفرة الهائلة والحراك متعدد الاتجاهات والمستويات في ميدان التعليم العالي هو شيء لم تشهده شبه الجزيرة العربية في تاريخها.. حيث زاد في عامين عدد الجامعات من ثمان إلى عشرين.. وارتفع عدد الطلبة المبتعثين من ثلاثة آلاف إلى أربعين ألفاً.. أما الجامعات الثماني الأم فتشهد حراكاً مكثفاً طال هياكلها وتنظيمها ومناهجها.. وأضيف إليها صرح جديد هو جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية التي سوف تكون حجر الزاوية في نقل المجتمع السعودي من مجتمع ريعي إلى مجتمع معرفي.. كل ذلك لا أجد له وصفاً أدق من الثورة.
حينما صدر قبل عامين التقرير الدولي عن التعليم الجامعي والذي وضع جامعات المملكة العربية السعودية في ذيل قوائم التصنيف.. تباينت ردود الأفعال بين مكذب ومصدق.. وبين متهم بالمؤامرات وجالد للذات.. وبين من استيقظ فزعاً ومن واصل نومه في العسل.. ونحمد الله أن وزارة التعليم العالي قد استيقظت وانطلقت راكضة في ميدان النهوض بهذا القطاع.. وكان من نتيجة ذلك أننا شهدنا خلال العام الماضي حالة فريدة من الصحوة العامة لا يمكن وصفها كما قلنا إلا بالثورة في التعليم الجامعي.
ولعل الثقة التي أولاها خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله- لوزارة التعليم العالي هي التي أهَّلتها وحفزتها للانطلاق بكل هذه القوة وجعلت الوزارة والقائمين عليها على المحك الحقيقي.. ومما نرى حتى الآن أنهم أهل لهذه الثقة.. ونرجو من الله العلي القدير أن يكفيهم شرور الظروف الدولية القهرية التي تجعل الأمور خارج السيطرة.. أما النية الصادقة والجهد المثابر والمعرفة العميقة والتنظيم السليم والإدارة الحازمة والتمويل الوافر.. فكل ذلك يصب في اتجاه واحد بإذن الله تعالى وهو إنجاز المهمة وإبراء الذمة أمام الله ثم المليك والوطن.
الجامعات السعودية تشهد اليوم حراكاً لم تشهده طوال تاريخها الذي زاد لبعضها على نصف قرن.. حيث تم استنفار كل الكوادر البشرية المتاحة والإمكانات المادية المتوافرة وتوجيهها إلى مسار واحد وهو الارتقاء بمستوى جودة البرامج التعليمية والأنظمة الأكاديمية والأقسام والكليات العلمية وربط كل ذلك بمؤسسات الاعتماد الأكاديمي الدولية.. هذا الاهتمام وهذا السعي الحثيث في تحقيق الكفاءة التعليمية له غاية واحدة وهي جودة المخرجات التعليمية والعلمية التي تنهض بالوطن.