تواجه صناعة السيارات في أمريكا خصوصاً والعالم عموماً تحديات خطيرة فلم تعد المشكلة انخفاض بالمبيعات وتراجع بالأرباح أو حتى تحقيق خسائر بل تعدت كل ذلك إلى وصول شركتي جي أم وكرايسلر لمرحلة المواجهة مع الإفلاس مما استدعى تحركاً حكومياً لتقديم دعم عاجل يصل إلى 17 مليار دولار وهو يكفي لسد احتياجات الشركتين من السيولة لأشهر قليلة ومشروط بقدرتهما على تحسين أوضاعهما وإعادة الهيكلة بينما لا تواجه فورد نفس المأزق حالياً ولكنها في الطريق إلى ذلك إذا تفاقمت الأزمة الاقتصادية مستقبلاً وسيشهد النصف الأول من العام القادم 2009 مرحلة الاختبار الحقيقية للشركات الثلاث فالظروف كلها ضدهم والأزمة المالية قطعت الماء عنهم فاعتمادهم على عمليات التمويل لأنشطتهم وتوقف البنوك عن تمويل شراء السيارات للمستهلكين والذين بدورهم فقدوا القدرة وانعدمت شهيتهم لشراء السيارات كلها تحديات واقعية لا يمكن تجاوزها أو تغيير هذا المناخ السيئ بسهولة بينما تقدر الدراسات حاجة القطاع لأكثر من مائة مليار دولار لإنقاذه وسيشكل الفشل بنجاح خطط دعم هذه الشركات ضربة قاصمة للاقتصاد الأمريكي ستضيف عبئاً كبيراً عليه بخلاف ما يعانيه أصلاً من مشكلات وستكون الخسارة بفقدان الهيمنة لشركات طالما تسيدت سوق هذه الصناعة الحيوية وتدر دخلاً كبيراً على الناتج القومي الأمريكي يفوق 500 مليار دولار، بينما سيهدد إفلاس هذه الشركات مستقبلاً أكثر من 3 ملايين عامل بينهم أكثر من 250 ألفاً يعملون بمصانع هذه الشركات والباقي يعملون بمصانع مساندة لها يتقاضون سنوياً قرابة 65 مليار دولار ستحرم تلك المقاطعات التي يعيشون بها من إنفاقهم مما يحولها من مدن داعمة للاقتصاد الأمريكي إلى عالة عليه وستحرم شركات التأمين من هذه الشريحة الواسعة المؤمن عليها بخلاف انخفاض الضرائب المحصلة للحكومة الفيدرالية نتيجة النشاط الكبير لصناعة السيارات بخلاف التزامها بدفع مساعدات للعاطلين الجدد المحتملين فالعاملون بقطاع السيارات يشكلون 10 بالمائة من القوى العاملة بأمريكا وفي حال قررت الشركات الأجنبية التي تمتلك مصانعاً بأمريكا إقفال خطوط إنتاجها وإلغاء الوظائف فإن ذلك سيفاقم مشكلة البطالة أكبر من التوقعات بينما تواجه الشركات اليابانية مشكلة تراجع المبيعات، وقد أعلنت تويوتا عن توقعها بتحقيق خسائر لأول مرة منذ سبعين سنة وأعلنت نيتها تخفيض العمالة لديها بينما ألغت نيسان 500 وظيفة وتستعد الشركات الأوروبية لنفس الإجراءات ومن خلال ما صرح به رئيس شركة فيات الإيطالية أنه لن يبقى سوى 6 شركات كبرى بالعالم نستطيع تقدير حجم الأزمة التي تواجهها هذه الصناعة مستقبلاً ولكن ما يلفت النظر هو طريقة التردد بإنقاذ شركات السيارات، وما الذي يخطط له صانعو القرار لها هل يعني ذلك التحول بهذه الصناعة إلى مسار مختلف عن ما هو قائم الآن من خلال الاعتماد على محركات صديقة للبيئة وتستهلك طاقة أقل ومختلفة المصادر فهل كل هذا يعني التخلي عن ما هو قائم وبني خلال عقود طويلة لتغيير مسار هذه الصناعة بشكل سريع وبالتالي فقدان دول نامية بالكاد بدأت تتلمس طريقها نحو هذه الصناعة لتفقد مليارات الدولارات من استثماراتها بها، فمنذ عقود نسمع عن نوعية جديدة من السيارات تتواكب مع تطلعات المستقبل مما يعني خسائر كبيرة لمنتجي النفط نتيجة تقلص الطلب المستقبلي عليه بخلاف الاستثمارات التي أنفقت على خدمة هذه الصناعة من طاقات تكريرية ومصانع بدول ناشئة ونامية أما نحن في دول الخليج فالكثير يعتقد أننا لن نتأثر بما يعتري صناعة السيارات من كوارث وهذا على أرض الواقع غير صحيح، فالبنوك أول الخاسرين نتيجة انحسار الطلب على التمويل من جهة وارتفاع العمولات بشكل كبير وصل إلى 11 بالمائة مما يلغي الرغبة بالإقبال على طلبه أما الوكالات فهي تواجه مشكلة انخفاض سيعلن على الأسعار نتيجة وجود كميات لديها بأسعار قديمة مرتفعة، وانحسار الطلب سيقلل من أرباحها إن لم يحولها للخسائر مما يعني استغناؤها عن عمالتها من جهة وعدم التوسع بفتح فروع جديدة أو تقديمها لخدمات متطورة لعملائها خصوصاً بالمناطق البعيدة عن المدن الكبيرة، فالمملكة تستورد سنوياً 250 ألف سيارة وقد ينخفض الطلب في العام القادم بشكل كبير رغم محاولة أغلب تجار السيارات التقليل من أثر الأخبار الواردة من الخارج عن واقع المصنعين البائس في محاولة لإقناع المستهلكين بالشراء بالأسعار الحالية وهذا الواقع ينطبق على كل الدول المستهلكة بالمنطقة فسيعانون من نفس المأزق.
خمسون شركة لصناعة السيارات تنتشر ببقاع الأرض باستثمارات تصل إلى مئات المليارات بخلاف المصانع والشركات والوكالات التي تخدم هذه الصناعة فالمستقبل غامض في ظل غياب أي بارقة أمل لحلول ناجعة للأزمة المالية العالمية التي تحولت إلى اقتصادية وأصابته بمقتل ويبدو أن المسكنات مفعولها سيكون أقصر من التوقعات وإلى أن تتضح الصورة كاملة لا أحد يستطيع أن يتوقع إلى كم سيتقلص عددها وكم دولة ستتحول المصانع بها إلى هياكل جوفاء لا يتحرك بها سوى الهواء.