Al Jazirah NewsPaper Monday  22/12/2008 G Issue 13234
الأثنين 24 ذو الحجة 1429   العدد  13234

المدرسة المتعلمة في بيئتنا التربوية
د. زيد المحيميد

 

إن الكلية التقنية في بريدة قد تبنت برنامجاً تطويرياً يقوم في بعض جوانبه على تفعيل مبادئ وأسس المنظمة المتعلمة، ونقصد هنا بالمنظمة المتعلمة تطبيق الأساليب الفعالة للتعلم الذاتي والتعلم عن طريق المجموعات في بيئة تعاونية وتشاركية إيجابية. ..

...في سبيل ذلك عقد الفريق المختص بالكلية والمناط به العمل على إمكانية تحويل الكلية إلى (كلية تقنية متعلمة) حلقات نقاشية حول (المنظمات المتعلمة) بتنفيذ الأستاذ صالح الناصري - رئيس الفريق- ومن أجل تعزيز المفاهيم النظرية بدروس عملية من التجارب المميزة والفعالة التي يتم فيها تطبيق جوانب من خصائص المنظمة المتعلمة خاصة فيما يتعلق بالتفكير الجماعي واستخدام لغة راقية للحوار والتشاور في صنع القرار، تلقت الكلية بسعادة غامرة الدعوة الكريمة من عضو مجلس مدرسة سعد بن أبي وقاص الابتدائية الرائدة في محافظة عنيزة الأخ المهندس محمد الشملان، وعند ذهابنا إلى المدرسة لفت انتباهنا وجود مصطلحات جديدة وغير مألوفة في التعليم التقليدي وهي مصطلحات إدارية متقدمة تعكس الآلية المتبعة في تلك المدارس الرائدة حيث استقبلنا (قائد المدرسة) الأستاذ محمد السيوفي ووكيل المدرسة للشئون التعليمية الأستاذ عبدالله الدليقان، ومن اللحظة التي قابلنا فريق العمل في المدرسة أحسسنا فيها بالروح المتوثبة المفقودة لدى كثير من مدارسنا التقليدية والتي أعبر عنها ب(السنوات الضوئية) التي تفصل بين هذا النمط المتقدم من التعليم وبين ما هو متبع في تعليمنا الحالي، لقد كانت روح الفريق تتجلى لدى (قائد المدرسة) ومساعديه وزملائه حيث الدافعية الكبيرة للتعلم في أبهى صورها. في جلسة مع قائد المدرسة ورئيس مجلس المدرسة الأستاذ فهد العوهلي تم إطلاعنا على خصائص هذا النوع من التعليم والجهود التي تبذل لترسيخه وتطويره، بعد ذلك خرجنا لاستكمال برنامج الزيارة المعد بعناية.

وكان أول ما لفت انتباهنا تلك الكؤوس والدروع التي حصلت عليها المدرسة مصفوفة بدون أي نوع من أنواع الحماية مما يعطي انطباعا لمستوى التفكير الإيجابي لدى الطلبة في المدرسة، وانتقلنا إلى أول قاعة دراسية لمادة التربية الإسلامية ولاحظنا توزيع الطلاب على شكل مجموعات، كل مجموعة لها قائد، فكانت النقاشات والإجابات تطبيقا منظما ومتقنا للتعلم الجماعي، وقد بهرتنا سرعة استجابة هؤلاء الأطفال وإصرارهم على التشاور والحوار وأخذ زمام المبادرة في الإجابة من خلال قائد كل مجموعة، ومما لاحظنا أيضا أن التعلم قائم على الطالب فهو الذي يضطلع بالدور الأكبر في العملية التعليمية والمساهمة الفعالة من قبل المعلم في تيسير هذا النمط المتقدم من التعليم.

إن مهارات التفكير الإبداعي لها الأولوية المطلقة من جانب فريق العمل في المدرسة، وقد رأينا كيف يستثار ذهن الطالب بطرق مبتكرة تجمع بين التقنية والمهارات الذهنية، وآلية التعليم المتقدمة والمتبعة في المدرسة قائمة على الوسائط المتعددة، ورأينا كيف تستغل طاقات الصوت والصورة ونظم المعلومات بمهنية عالية قل أن تطبق حتى في مراحل التعليم العالي، فالبيئة الموجودة في المدرسة أفضل كثيراً من بيئة المنزل وأكثر تشويقاً للطالب وهذا مما شاهدناه حيث يتم الاعتماد على أحدث أدوات التقنية في بيئة تعليمية تتناغم فيها المادة العلمية مع البيئة المحيطة بالطالب من خلال الواقع الحقيقي للمعلومة المطروحة، وقد رأينا - مثلاً- كيف يتم استخدام برنامج (Google Earth) لتدريس مادة الجغرافيا الطبيعية وشاهدنا تفاعل الطلبة مع تنقل المواقع الجغرافية من جبال الحجاز إلى جبال اليمن إلى نهر النيل، كما تطبق المدرسة فكرة (الفصول المتحركة) بجانب قاعات ثابتة للمعلمين مجهزة بكل ما له صلة بهذه المادة العلمية وطرق عرضها بصورة شيقة.

عقلية الحوار التي تزرع في الطلاب منذ نعومة أظفارهم وروح احترام الرأي الآخر واعتماد الطرق الحضارية للتغيير أوجدت لدى هؤلاء الطلاب الصغار لوناً جديداً قلما نجده عند طلاب المرحلة الثانوية، ومن هنا فإنه لو تم تعميم هذا النوع من التعليم فإنه سيكون أكبر صمام أمان لهذا المجتمع من الانحرافات الفكرية والسلوكية التي عصفت ببعض شبابنا وزجت بهم في قضايا المخدرات والجرائم والإرهاب.خرجنا من المدرسة ونحن متفائلون من ناحية ومحبطون من ناحية أخرى، فمصدر تفاؤلنا هو وجود تلك النقاط المضيئة في نظامنا التعليمي والتي يمكن استنساخها في بقية المدارس الموجودة في المملكة خاصة وأنها مبنية في نفس البيئة وليست نموذجاً مستورداً يحتاج إلى بعض خصائص البيئة الأصلية، أما مصدر إحباطنا فإن هذه العقول التي تم بناؤها على مدى ست سنوات في تلك المدرسة الرائدة يمكن أن تهدم في أول فصل دراسي في المدارس المتوسطة التقليدية، ومن منبر جريدة الجزيرة فإني أناشد وزارة التربية والتعليم وإدارة التربية والتعليم في محافظة عنيزة أن يتم تحويل مدرسة (حطين المتوسطة) والتي توجد في الدور العلوي في نفس المبنى التي توجد فيه مدرسة سعد بن أبي وقاص إلى ذات النمط من المدارس الرائدة لكي يكون هناك تسلسل منطقي للدراسة ويكون هناك بيئة متكاملة لهذا النوع من التعلم على أن يتم دراسة أفضل البدائل لإنتاج مدرسة ثانوية أيضاً لإكمال المنظومة التعليمية التي تقودهم إلى الجامعة. وبعد توديعنا من قبل زملائنا الكرام أطلقنا العنان لأحلامنا وتخيلنا جميع مدارسنا وقد أصبحت مدارس (رائدة) تبنى فيها النماذج الذهنية المثالية والتي تحكم تصرفات هؤلاء الشباب، وتخيلنا الأجيال التي ستتخرج بعد المرحلة الثانوية والأدوات التي يمتلكها هؤلاء الطلاب ليساهموا في نهضة وطنهم.

وصدق الشاعر حين قال:

منى إن تكن حقاً تكن أصدق المنى

وإلا عشنا بها زمناً رغداً

* * *

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7696 ثم أرسلها إلى الكود 82244

عميد الكلية التقنية في بريدة

zeidlolo@hotmail.com)

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد