Al Jazirah NewsPaper Monday  22/12/2008 G Issue 13234
الأثنين 24 ذو الحجة 1429   العدد  13234
الحبر الأخضر
دعوه.. فإن لصاحب الحق مقالاً
د.عثمان العامر

هناك مواقف عديدة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم تحتاج إلى بحث ودراسة من قبل السياسيين ومثلهم الاقتصاديين والتربويين وأهل الاختصاص كل في فنه، خاصة في هذا الزمن الذي أصبحت فيه النظريات العالمية التي كنا نعتقد أنها من المسلمات والركائز التي لا يمكن أن تهتز أو تتحرك - أصبحت في مهب الريح وصار العالم في دائرة الخطر المتوقع بين عشية

أو ضحاها، ليس هذا فحسب بل لابد من أن يتم توظيف هذه المواقف والتوجيهات في حياتنا الخاصة وسياساتنا العامة أياً كان المجال الذي نتحدث عنه، ومن هذه المواقف التي دونتها كتب السنة الصحيحة البخاري ومسلم وأصحاب السنن أن رجلاً تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يمثل آنذاك رئيس الدولة وصاحب القرار النهائي والكلمة الفصل في المواقف والأحداث - فأغلظ له في القول، فهم أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، فقال عليه الصلاة والسلام: (دعوه، فإن لصاحب الحق مقالاً، واشتروا له بعيراً فأعطوه إياه). فقالوا: لا نجد إلا أفضل من سنه، قال: (اشتروه، فأعطوه إياه، فإن خيركم أحسنكم قضاء)، والشاهد هنا تلك المساحة من الحرية المطلقة والمضمونة التي منحها عليه الصلاة والسلام لهذا الرجل ليس هذا فحسب بل أعلنها عليه الصلاة والسلام حقاً مكتسباً لمن جاء يطالب بحقه حتى ولو كانت المطالبة من الذات النبوية الشريفة، أقول هذا لأنني قرأت وسمعت صوتا نشازاً يتبجح بالديمقراطية الغربية هذه الأيام ويعتقد أن نسائمها التي هبت على العراق ولفحت وجوه العراقيين مع فلول الاستعمار الإمبريالي الجديد هي التي أعطت أمثال منتظر الزيدي الدافعية لأن يفعل فعلته التي لا يمكن أن تكون في أي عصر من عصورنا نحن المسلمين بل لا يوجد في مبادئنا ما يمنح صاحب الدعوى أن يتلفظ بدعواها، ولو كان الحاكم الواقف عربياً أو أن تربية نوري المالكي ليست ديمقراطية لأرغى وأزبد وهدد وتوعد وأمر من حوله بقتل الصحفي المتهور وتهشيم عظامه من لحظة وقوع الحدث الذي له بعده المعنوي الذي لن ينساه التأريخ، فهو إهانة للضيف والمستضيف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وهذا القول في ترسيخ الثناء المطلق للديمقراطية ليس جديداً في عرف اللبراليين الذين يتحينون الفرص ويبحثون عن المواقف التي يحاولون أن يدعموا فيها أطروحاتهم الفجة والبعيدة عن ملابسات الأحداث ومعطيات الواقع المعاش. إن هذا الشاب الذي لم يجد بداً من التعبير عمّا في نفسه إزاء القهر الذي يضطرم في ذاته بهذه الطريقة ومن خلفه العراقيون جميعاً بل العرب والمسلمون بلا استثناء فهم جميعاً أصحاب حق ولا يمكن لهم وهم في هذه الحالة من الضعف أن يستردوا حتى ولو جزءاً يسيراً من كرامتهم، ولذا لم يكن بد من أن تحاول هذه الأمة المهزومة أن تجعل حذاء يُرجع لها ما فقدته وسُلب منها على يدي هذا الرئيس، ومع أن الحذاء لن يسترد حقاً ولن يعيد أرضاً ولن يحقق أمناً ولن يُرجع ما سُلب صغيراً كان أم كبيراً إلا أنه أضعف الحلال مع رجل لا يعرف للحلال مكاناً ومثل هؤلاء لا يليق بهم إلا الحذاء ولا يجدي في التعامل مع سياساتهم إلا مبدأ القوة، لقد فعل فعلته بنا حين شنق صدام حسين فجر يوم النحر ليهين كرامة المسلمين يوم عيدهم فأهين هو بالحذاء يوم عيد توديعه البيت الأبيض وهذه هي الطريقة التي يفهمها أمثال هذا الرجل النشاز، وللعراقيين نقول بمحامينا بأقلامنا بألسنتنا بشعرائنا بألعابنا بنكتنا بكل قوانا ومشاعرنا أطلقوا سراح منتظر الزيدي فإننا وإياه أصحاب حق ولصاحب الحق مقالاً، وعوداً على بدء ليكن لنا عودة صادقة إلى تراثنا ننقب فيه ونبحث في صفحاته وسنجد الكثير مما هو ملائم لانتشال العالم اليوم من أزماته العديدة والمتنوعة التي تهدده بين الفينة والأخرى وما الأزمة المالية التي نعيشها إلا بداية لسلسلة من الأزمات السياسية والاجتماعية والفكرية التي يتحدث عنها الخبراء والمنظرون وأهل الدراية والاختصاص والتي لا يعلم متى ولا كيف هي إلا الله والتي نسأل الله عز وجل أن يقينا شرها آمين.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6371 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد