أثارت الكلمات والمداخلات التي شهدها اجتماع لندن الثاني للطاقة الكثير من النقاط والأمور لتوضح وتساعد كل من لديه بصيرة ويبحث عن حلول مرضية ومريحة للمنتجين والمستهلكين من أجل الحصول على طاقة مضمونة ومستديمة بأسعار معقولة.
رئيس الوزراء البريطاني، جوردن براون، الذي عقد اجتماع الطاقة الثاني في لندن بمبادرة منه عندما وجه الدعوة لعقده أثناء مشاركته في اجتماع الطاقة الأول الذي عقد في جدة الصيف الماضي، طالب منتجي ومستهلكي النفط بالعمل معاً لمعالجة الأزمة التي تواجهها أسواق الطاقة العالمية.
براون وهو يتحدث عن الأزمة التي تواجهها أسواق الطاقة العالمية ذكَّر بالهدف الذي من أجله دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى عقد اجتماع الطاقة الدولي الأول؛ لأن المليك كان يستقرئ المستقبل، وسعى خلال عقد هذه الاجتماعات إلى صياغة شراكة مجدية بين المنتجين والمستهلكين لمواجهة العبث الذي تعرضت له أسواق الطاقة الدولية نتيجة استغلالهم لعوامل لا علاقة بها بأساسيات العرض والطلب التي تؤثر في أسعار المواد الأساسية في الأوضاع الطبيعية، إلا أن أسواق الطاقة العالمية تعرضت للاستغلال لفائدة مصالح ذاتية سواء من قبل المضاربين أو شركات التسويق وحتى من بعض الحكومات التي بالغت في فرض ضرائب وصلت في كثير من الدول إلى أكثر من 85 دولاراً، وهو أكثر مما تحصل عليه الدول المنتجة، رغم تحملها أعباء ومصاريف الإنتاج.
وهذا ما أدى إلى التقلُّب وعدم الاستقرار في أسواق النفط التي تشهد هذه الأيام الطرف الآخر من طيف الأسعار، حيث وصل سعر البرميل إلى أقل من40 دولاراً للبرميل بعد أن كان قد تعدى150 دولارا في أشهر قليلة.
وقد نبّه وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي إلى أن هذا التقلب وعدم الاستقرار في أسواق النفط يضر بالجميع من منتجين ومستثمرين ومستهلكين، فبالنسبة للمنتجين تعد مستويات الأسعار اليوم ضارة بالصناعة؛ حيث تهدد الاستثمارات الحالية والمستقبلية فضلاً عن كونها تضعف الأسواق التمويلية التي قلصت من تسهيلاتها الائتمانية ورفعت تكاليف التمويل، وليس بمستغرب أن يتم إلغاء أو تأجيل عدد من مشاريع التنقيب والإنتاج والتكرير جراء ذلك، أما بالنسبة للمستهلكين فإن هذا التقلب الكبير في الأسعار يضعف ثقتهم، ويبعث إليهم بإشارات متضاربة حول المستقبل، كما ستتأثر الاقتصادات الناشئة التي تعتمد على الصادرات والتمويل الخارجي بانخفاض أسعار البترول.
وإن المملكة العربية السعودية بوصفها المنتج والمصدر الأكبر للبترول في العالم وصاحبة أضخم الاحتياطات البترولية تلاحظ أن تكاليف الإنتاج لم تتحرك صعوداً وهبوطاً بسبب الطلبات الكبرى التي دفعت إليها حركة الأسعار هذا العام، الأمر الذي يؤكد من جديد على تأثير عوامل أخرى غير أساسيات العرض والطلب في مستويات أسعار البترول.
وما لم تضبط هذه العوامل، فإن أزمة الطاقة العالمية ستكون مستعصية على الحل الذي لا يمكن تحقيقه ما لم تبنَ شراكة حقيقية بين المنتجين والمستهلكين تقضي على استغلال وتطفّل جهات تستغل حاجة العالم لهذا المصدر المهم لتحقق من خلال عبثها ثراءً غير مشروع على حساب اقتصادات الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء.