حين قرأنا عن تلوث مياه الشرب سارعنا بالانضمام لمستخدمي المياه المعبأة بعد نصح المختصين باعتبار أنها صحية معبأة بطريقة حديثة.
وبعدها أصبحت سيارات المياه المعبأة تجوب الشوارع وتقف أمام البيوت لتزويدها بالماء بعد أن سمع الناس أن مياه المصلحة غير صالحة للشرب لكثرة الشوائب والأتربة فيها، وأصبح من المألوف أن تعرف مستوى تحضر الناس ووعيهم من وقوف تلك السيارات أمام بيوتهم لتستبدل القوارير الزرقاء الفارغة بأخرى مملوءة لدرجة انتشار شركات عديدة لتعبئة المياه, وبات التنافس على أشده وصارت هناك قسائم تشترى دفعة واحدة بمئات الريالات.
فجأة حذر أحد الباحثين في شؤون المياه من تلك العبوات وخطورة تعرضها للشمس، ونصح بتوفير أجهزة التنقية الحديثة داخل المنازل! فتوقف الناس عن استبدال عبوات المياه بينما بقيت القسائم دون صرفها، واختفت تلك السيارات إلا ما ندر وأقبل الناس على شراء أجهزة التنقية المنزلية (عالية التقطير شديدة النقاوة) ونشرت دعايات تسويقية عبر الصحف تحت سمع وبصر وزارة المياه، ووصلت إلى تنقية المنازل والقصور لمناسبتها البشرة والشعر حيث المياه العادية تتسبب في تقصف الشعر و(مِشَق الجلد) وأصبح الكل يبحث عن الأكبر والأضخم، فتبارت الشركات (إياها) لتوفير تلك المضخات حتى امتلأت المنازل.
بعدها صارت الدعايات تتناقص ثم تلاشت!
ومن ثم حذر عالم الأبحاث الطبية والبيولوجية الدكتور فهد الخضيري رئيس وحدة المسرطنات في المستشفى التخصصي بالرياض من التمادي في استهلاك مياه أجهزة التنقية المحلاة، وقال (إن التسويق لتلك الأجهزة يعتبر جريمة، وأن المياه المستخلصة من تلك الأجهزة داخل المنازل خطرة وتفتك بالخلايا الدموية وتحطم جدار المعدة).
وفي حال استعمال تلك المياه (عالية التقطير شديدة النقاوة) في غسل الجلد فإنه يتسبب في تهتك الأجهزة المناعية الموجودة على الجلد، وتدمير مناعته وجعله عرضة للالتهابات، وعندما يكون الرقم الهيدروجيني منخفضاً عن الرقم الطبيعي (7-7.5) فإن دخول تلك المياه لجوف الإنسان يجعل الحمض يهاجم الخلايا المناعية الداخلية ويقتلها، ويسبب قرحة للمعدة ويؤثر على الخلايا الطلائية. وحموضة الماء تجعل خلايا الجسم تتشرب الحموضة للوصول إلى التعادل فتنفجر الخلايا الدموية، واصفاً المياه المحلاة ب(حمض الأسيد) الذي يهتك الأنسجة. وطالب د. الخضيري الأجهزة الرقابية التحرك لإيقاف تسويق تلك الأجهزة الخطرة، وتحذير الناس بمدى خطورة تلك المياه غير الصالحة للشرب موضحاً أن الأملاح الذائبة في المياه الطبيعية تتراوح ما بين100-700!
وقال المهندس مضيان المضيان (إن النتائج المخبرية أكدت أن كمية الأملاح الذائبة في المياه المنقاة في الأجهزة شديدة النقاوة بلغت 1.9 وسجلت انخفاضاً شديداً في درجة الملوحة. وتعتبر مياهها شبه مقطرة تستخدم لأغراض طبية عادة، وغير صالحة للشرب.
ونفت وزارة المياه علاقتها بتسويق تلك الأجهزة، وأكدت أن المياه المنتجة والموزعة عبر الشبكات الأرضية أو صهاريج المياه المعتمدة من الوزارة لا تحتاج لتنقية أو تقليل أملاح. وحذرت من قلة الأملاح في المياه الناتجة من الأجهزة التي يسوق لها المخادعون وهي ليست بالضرورة صحية، خاصة إذا انخفضت النسبة عن 500 جزء في المليون (الحد الأمثل المطلوب وجوده حسب توصية منظمة الصحة العالمية، وهو الرقم المتحقق فعلياً في المياه الموزعة عبر الشبكة).
وبعد أن تخلصت تلك الشركات من مخزونها الهائل، رأت وزارة المياه أن تلك الأجهزة تتسبب في هدر أضعاف المياه المنقاة، ولهذا السبب يقال إن منعها قد يساهم في الحد من استهلاك المياه وتقليل الهدر، فأين كانت الوزارة وتحذيراتها أثناء دخولها للبلاد وتسويقها والترويج لها؟!
نريد مصداقية وشفافية ووضوحاً حتى نستجيب لهذه التحذيرات!!
rogaia143@hotmail.Com
ص. ب260564 الرياض