الزراعة هي الثروة الغذائية للإنسان ومصدر طاقته وحيويته في كل مكان وزمان، ومع تعدد الأزمنة وندرة المياه الجوفية، باتت حياة الإنسان مهددة بالمجاعة، فالزراعة أصبحت ذات معاناة بالغة، نتيجة نضوب الآبار الارتوازية من مياهها الجوفية، وتعثر المزارعون في ري مزروعاتهم مما نتج عنه تدني الإنتاجية في المحاصيل الزراعية.
فمشكلة المياه مشكلة عربية، قامت خصومات بين بعض الدول بشأن الموارد المائية فيما بينها، ولكن رغم شح المياه لدى بعض هذه الدول، فأن البعض منها تدبرت أمورها في التغلب على مشكلة المياه لديها، فقد شيدت السدود المائية الضخمة للاستفادة من مياه الأمطار، إضافة لمياه الينابيع الدائمة لديها، وبهذا الشكل حافظت على إيجاد المياه طوال العام نتيجة المخزون الاستراتيجي للمياه التي أغدقت في الشرب والزراعة، ومع ذلك لم تقف بعض هذه الدول مكتوفة الأيدي في البحث عن سبل توفير المياه لبلدانهم، فقد عملت البحوث في التنقيب عن مصادر المياه وجلبها، كما ركزت البحوث في استخدام مياه البحار والأنهار ومعالجة الملوحة لتكون صالحة للشرب والزراعة.
فقد أثبتت الدراسة في معاهد (البحوث الزراعية) أن تحليه مياه البحار المالحة قد ساعدت لحدا ما في سقاية الأراضي الخصبة القابلة للزراعة، في كثير من الواحات الصحراوية بعد أن تمت معالجتها بالطرق البحثية الزراعية، فأثبتت الدراسة الزراعية في مراحلها الأولى.أن حمض (البرولين) قلل من التأثيرات الضارة للملوحة على النباتات، وبالتالي قلل من تراكم الملح في أنسجة النباتات، وهذا في حد أقصى من الملوحة بمياه الري، بقدر- (15) ملموز/سم إذا تم نقع الجذور في محلول البرولين الأميني بتركيز (30) جزءا في المليون في اللتر، إما المرحلة الأخرى للتجارب فكانت برش بإدرات النباتات بمحلول البرولين لمعرفة معدلات نموا لنباتات وامتصاصه للعناصر، العناصر الغذائية من التربة أثناء فترة النمو مع تركيزات الأملاح المختلفة في مياه الري، واتضح أيضا أن نسبة الاستفادة القصوى للنباتات من ذلك الحمض الأميني تقدر بـ(30) جزءا في المليون في اللتر.
هذه الدراسة الزراعية، الناجحة تعلمنا إمكانية الاستفادة من الري بالمياه المالحة، قام بها الباحث الأستاذ: محمد الشاذلي. الباحث المساعد بمعهد بحوث المياه والأراضي والبنية، بالقاهرة بعمل دارسة أثبت من خلالها إمكانية زراعة مختلف أنواع الأراضي، سواء رسوبية أو رمليه وجيريه، بمحاصيل غذائية مثل القمح والأرز والذرة وعباد الشمس، واستخدم للري مياها تصل درجة تركيز الأملاح بها حتى (15) ملموز/سم، مقياس ملوحة المياه، وذلك عبر رش المزروعات بحمض أميني مستخلص من النباتات المقاومة للملوحة، يعرف بحمض (البرولين) على أن يكون تركيز هذا الحمض في المياه أثناء الرش فقط (30) جزءاً في المليون في اللتر الواحد أي 30 مليجراما للتر، بالإضافة إلى العناصر الكبرى (مثل البتروليين والفوسفات والبوتاسيوم) والعناصر الصغرى مثل (درجة الحرارة والرطوبة وباقي الظروف) التي تحتاج إليها النباتات في مراحل نموها المختلفة.
ويوضح (الشاذلي) أنه بدراسة الخريطة الجينية للنباتات التي تتحمل قدرا اكبر من ملوحة مياه الري، تبين أن الله اختصها بتكوين نوع من الأحماض الأمينية يعرف بالبرولين، يساعدها على امتصاص كميات أكبر من المياه والغذاء المتوافر بي بيئتها الطبيعية لتخفيف تركيز الملوحة بها، والناتجة عن ترسب الأملاح بخلاياها نتيجة عوامل البحر وعملية النتح.
وأتذكر أنه كان لدينا تجربة مماثلة في استخدام المياه البحرية المالحة، كان ذلك عام 1993م، في (رأس الزور بالجبيل) فكانت تجربة محدودة ومتواضعة، في أعداد مزرعة للتجربة، زرع بها (الساليكورنيا) الذي يستخدم في السلطة وكان عالي الجودة، وتم تصنيع أعلاف الدواجن خلال الأبحاث التطبيقية، التي امتدت لقرابة الثمان سنوات، وشخصت مراحل نموها وحصادها، إلا أن العملية لم تلاقِ الدعم والتشجيع لاستمراريتها.
فلا هناك ثروة زراعية مالم تكن لدينا ثروة مائية، والتي هي قوام الحياة في المشرب والمأكل، فيجب علينا تدبر أمرنا في عمل الدراسات والبحوث الزراعية العاجلة وليس الآجلة، من أجل الزراعة التي لا غنى عنها، وأنني أعرف مسبقا أن وزارة الزراعة لدينا، قد قامت بإعداد شي من هذا القبيل ولكنه ليس بالكافي، فضلا عن أن المجهودات لم تأت بالنتائج المرضية، في كيفية تطويع المياه المالحة لتكون صالحة للزراعة، ولعل مثل هذه البحث وربما قبله وبعده من بحوث زراعية، تكون هي (الشفرة) في فك طلاسم ما كان مستعصيا في تحليه المياه من أجل الزراعة، لوفرة المحصول الزراعي البلدي، بدلا من الاستيراد الذي أنهكت أثمانه العباد.