Al Jazirah NewsPaper Wednesday  17/12/2008 G Issue 13229
الاربعاء 19 ذو الحجة 1429   العدد  13229
أنت
تاريخ عداء الفرس للعرب
م. عبدالمحسن بن عبدالله الماضي

قامت دولة الفرس وحضارتهم التي اعتمدت على الدين المجوسي قبل دولة العرب وحضارتهم بأكثر من ألف عام.. كان العرب خلالها شعوباً متخلفة جاهلة لا تعرف سوى الرعي والترحال خلف الماء والكلأ.. وكان الفرس يحكمون من يجاورهم من العرب.. ويُنَصِّبون من يواليهم من العرب حكاماً على من يليهم من العرب.. هذا التاريخ الطويل ولَّد لدى الفرس حالة من الاستكبار الشديد تجاه العرب وصفها الله تعالى في سورة المائدة بقوله: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ}، حيث فُسِّر الجزء الأخير من الآية بأن الذي يستكبرون على المؤمنين هم الفرس.

هذا الاستكبار كان في أوله مسالماً غير مشحون بالثأرات والعداوات الناتجة عن الانكسار الذي حصل لهم في حربهم مع العرب في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. إلى درجة أن (رستم) القائد الأسطوري في تاريخ الدولة الفارسية لم يجد مبرراً لهزيمته سوى قول: (إنه عمر بن الخطاب الذي يكلم الكلاب فيعلمها العقل) ويعني بالكلاب العرب.

والفرس بعد فتح بلادهم وتحول مجتمعاتهم إلى الإسلام لم يستطيعوا أن يتخلصوا من تلك النظرة الاستعلائية تجاه العرب.. فكان مما يتم تعليمه لأبنائهم أن من إعجاز الإسلام أنه نزل على نبي أمي.. وفي مجتمع جاهل متخلف.. ولا ينفكون عن الإشارة إلى أن جُلَّ علماء المسلمين في علوم الدنيا والدين بما في ذلك علماء اللغة العربية وأشهرهم (سيباويه) هم من أصل فارسي أو من أصول أخرى غير عربية.

والقارئ للتاريخ الإسلامي سوف يجد إشارات متعددة للشعوبية التي اجتاحت الدولة الإسلامية وبالذات إبان الخلافة العباسية.. وكيف أن قائداً إسلامياً شهيراً مثل (أبو مسلم الخراساني) كان يهدد بقطع لسان كل من يتلفظ بكلمة عربية في مجلسه.

كما أن القارئ لتاريخ الدولة الصفوية في إيران سوف يجد أن تلك الدولة حاولت في مرحلتها الأولى جاهدة فصل المذهب الشيعي وحصره في دولة فارس ابتعاداً عن التشابه مع العرب في الدين والمذهب.

أيضاً المتابع للشأن الشيعي سوف يعجب من المبررات المطروحة لكراهية الشيعة لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه).. وربما يتفق معي البعض أن منشأ تلك الكراهية تاريخي أكثر مما هو عقدي.. فمن المعروف أن الراعي تاريخياً للمذهب الشيعي هم الفرس إلى درجة اعتماد الغسل لعيد النيروز المجوسي على أنه سنة مؤكدة لدى بعض فرقهم.. وإذا عرفنا أن الدولة الفارسية قد سقطت على يد عمر بن الخطاب حتى ذهبت مقولة قائد الفرس العظيم رستم: (أكل عمر كبدي.. أحرق الله كبده) مثلاً يردده كل فارسي ضاق صدره.. وزاد على كل ذلك أن عمر رضي الله عنه كان يسمح لغير المسلمين بسكنى المدينة لكنه لم يسمح للفرس بذلك.. وبعد غزوة (نهاوند) أتى بأبناء وبنات عظماء الفرس عبيداً وإماءً للمسلمين في المدينة.. ولم يكن يسمح لهؤلاء العبيد بالبقاء في المدينة بعد بلوغ الحلم إلا من أسلم وحَسُن إسلامه.. لكنه استثنى أبا لؤلؤة المجوسي وكان غلاماً للمغيرة بن شعبة وذلك بعد أن استأذنه في بقاء ذلك الشاب بالمدينة بداعي براعته في العديد من الحِرَف التي سوف يعود نفعها على أهل المدينة.. وقد كان ذلك استثناء قاتلاً من خليفة رسول الله حيث جاء مقتله على يد ذلك الغلام بخنجر مسموم ذي نصلين.. وقيل إن الهرمزان القائد التاريخي للفرس والذي كان تحت الإقامة الجبرية في المدينة حتى قتله عبدالله بن عمر انتقاماً لمقتل والده كان خلف خطة اغتيال عمر رضي الله عنه.

كذلك المتابع اليوم للأدبيات الفارسية حتى وإن كانت دينية إسلامية سوف يجدها مشحونة بالنظرة الدونية للعرب.. فهم يفسرون آية {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ}إنها إقرار من الله تعالى بأن هذه صفات العرب وأنها باقية فيهم حتى قيام الساعة.

أما المتابع لحال طلبة العلم الديني من الشيعة العرب الذين يريدون الاستفادة من منح الدولة الإيرانية للدراسة فيها.. فإنه يعرف ما يواجهونه في الحياة العامة وفي مدارس الدين الإيرانية حيث يجد التفرقة في أوضح صورها.

ختاماً.. أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بما سوف يكون من الفرس.. فقد رُوي عن سلمان الفارسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك.. قلت: يا رسول الله وكيف أبغضك وبك هداني الله؟.. قال: تبغض العرب فتبغضني.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5913 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد