Al Jazirah NewsPaper Wednesday  17/12/2008 G Issue 13229
الاربعاء 19 ذو الحجة 1429   العدد  13229
الوجه الإنساني لتغير المناخ
كاميلا تولمين.. ساليمول هوك

منذ بضعة أسابيع وصفت إحدى الصحف أداة ذكية جديدة قادرة على سحب المياه من الجو وتوفير كأس من المياه النظيفة المبردة للشاربين. يا لها من عجائب تلك التي تقدمها التكنولوجيا للأثرياء! بيد أن مثل هذا الحظ لا يتوفر لملايين الأفارقة الذين يواجهون انقطاعاً للأمطار التي تعتمد عليها محاصيلهم وماشيتهم وأسرهم.

ومن المرجح أن يجلب عليهم تغير المناخ المزيد من العواصف المتقلبة غير المنتظمة، فضلاً عن عدم ضمان تجمع المياه في الآبار، والدلاء، والحقول.

إن الماء يكمن في صميم الحياة، سواء كان استخدامه للشرب، أو الاغتسال، أو ري المحاصيل، أو سقاية الماشية، أو توليد الطاقة.

وهؤلاء الذين يعيشون مثلنا في الطقس الرطب يميلون إلى سب الماء والسخط عليه، ولكن إذا ما عشنا أسبوعاً بعد الآخر تحت الشمس اللافحة دون أي احتمال لتجمع الغيوم في الأفق، فلسوف نجد أنفسنا في مأزق حقيقي.

إن ما يقرب من مليار إنسان على ظهر كوكب الأرض يتدبرون حياتهم في ظل عجز خطير في موارد المياه، ومن المرجح أن يتفاقم موقف هؤلاء البشر سوءاً مع تغير المناخ والتوسع الحضري السريع.

والحقيقة أننا في حاجة إلى التوصل إلى اتفاق قبل نهاية العام 2009 من أجل ترسيخ المزيد من التخفيضات الطموحة لمستويات انبعاث الغازات الضارة المسببة لظاهرة الانحباس الحراري.

بيد أن المفاوضين الرئيسيين فيما يتصل بهذه القضية هم أنفسهم البلدان صاحبة أعلى مستويات الانبعاث، إذ أن هذه البلدان هي التي تملك ما تقايض عليه.

أما أغلب البلدان الأفريقية فهي لا تملك صوتاً أو قوة تسمح لها بالمساومة في إطار المحادثات الخاصة بتغير المناخ، بل ويتعين عليها أن تتقبل أي اتفاق قد يتم التوصل إليه. ورغم هذا فإن أفدح التكاليف المطلوبة للتكيف مع تغير أنماط الطقس تقع على عاتق هذه البلدان.

أين العدالة في هذا؟.. كيف يكون من الصواب أو العدل أن يتحمل الأقل تسبباً في إحداث ظاهرة الانحباس الحراري أشد الضربات، وأن يكون الأقل قدرة على التأثير في الاتفاق العالمي الذي نحتاج إلى التوصل إليه؟ لقد أثبتت السنوات القليلة الماضية كيف أن كل شيء مترابط، أينما كنت على ظهر هذا الكوكب.

فالحصص المحددة من الوقود الحيوي في الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والصين تتسبب في مصادرة الأراضي في موزمبيق، وكولومبيا، وكمبوديا.

وتنتقل الأموال الجديدة من سوق الرهن العقاري الثانوي إلى إنتاج الغذاء وغير ذلك من السلع الأساسية، فتجتاح المجاعات الشرسة سكان المدن الفقيرة في الفلبين، وبيرو، وكوت ديفوار بلا سابق إنذار.

اليوم، لم يعد أحد في مأمن من تغير المناخ.

وتوقعات استمرار الحياة على طول الخطوط المألوفة أصبحت نهباً للمخاوف بشأن التحولات الجارية التي سوف تتسبب في صدمات هائلة وتفرض عمليات تكيف صعبة في العديد من أجزاء العالم.

ويتوقع الخبراء أن تعاني أجزاء من جنوب إفريقيا من أنماط طقس أكثر سخونة وجفافاً، كما تصدق نفس التوقعات بالنسبة لمنطقة المغرب العربي في الشمال.

وربما ينخفض الحصاد إلى نصف معدلاته، وقد تجف الأنهار التي يعتمد عليها البشر في الري وتوليد الطاقة المائية حتى تتحول إلى مجرد قنوات هزيلة.

ومن ناحية أخرى فإن الكثير من هطول الأمطار قد لا يقل سوءاً عن انقطاع الأمطار، وبخاصة حين تأتي في غير موسمها.

فمن المتوقع أن تصبح أجزاء من شرق وغرب إفريقيا أكثر رطوبة، مع تساقط الأمطار بغزارة، واشتداد العواصف التي لن تزيد من خطر تآكل التربة، والفيضانات، وتلف المحاصيل فحسب، بل إنها ستجعل الناس أيضاً أكثر عُرضة لخطر الملاريا وهلاك قطعان الماشية وتفشي الأمراض مثل حمى الوادي المتصدع.

في بعض الأحيان قد يبدو الحوار بشأن تغير المناخ في غاية التعقيد، حيث يجازف الناس بالانهماك في اختراع التسميات المختصرة، وتتكاثر الحلول التقنية، ويتجادل الخبراء حول السعر المناسب للكربون ومعدلات التخفيض الملائمة.

ولكن في جوف هذا التعقيد تكمن حقيقة بسيطة مفادها أن البشر يدركون تمام الإدراك منذ عقد أو ما يزيد من الزمان أن إطلاق المزيد من الغازات المسببة لظاهرة الانحباس الحراري تشتمل على مجازفة خطيرة، ومع ذلك فقد فشلنا فشلاً ذريعاً في اتخاذ خطوات عملية لوقف هذا الاتجاه.

لقد تنصلنا من واجباتنا فتركناها لذريتنا ولذلك العدد الهائل من البشر الذين يعيشون هنا والآن في مناطق أخرى من العالم والذين يعانون الآن من عواقب قِصَر بصرنا.

إن الحكومات الغربية على استعداد للدخول في مجادلات مع الصين والهند فيما يتصل بإذا ومتى يصبح من الممكن توزيع أعباء تخفيض الانبعاثات على الأسواق الناشئة، ولكنها تلتزم الصمت التام فيما يتصل بالظلم الذي ألحقته بأفقر فقراء العالم.

لقد أصبح حق الإنسان في الحصول على الماء من بين الحقوق المعرضة للخطر في عالم تقيده ظروف المناخ. هل يسعدنا أن نعيش في عالم حيث الأغنياء قادرون حقاً على الاعتماد على قدر متعاظم من الحيل التقنية الذكية، بينما نتجاهل حق البلدان والمجتمعات الفقيرة في الحصول على أدنى متطلبات البقاء؟.

كاميلا تولمين.. مديرة المعهد الدولي للبيئة والتنمية (IIED).
سالمويل هوك.. رئيس مجموعة تغير المناخ لدى المعهد الدولية للبيئة والتنمية.
خاص بـ(الجزيرة)



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد