أخذتنا فرحة العيد أو مشاغل الحياة أو ربما مات فينا الضمير والحس العربي والإنساني ولم نعد نشعر بآلام الآخرين ومعاناتهم وحاجاتهم وأصواتهم المكلومة التي لا تصل غالباً.
هناك في غزة المحاصرة التي تختنق أكثر كل لحظة، تصرخ الأمهات ويبكي الأطفال ويقهر الرجال ولكن لا أحد يلتفت أو يغيث، وكأن هذا القطاع يرقد في كوكب آخر!.
بينما تحتفل الأمة العربية والإسلامية بعيد الأضحى المبارك.. تحتضر في المقابل مدينة غزة التي تحتضن قبر جد الرسول صلى الله عليه وسلم (هاشم).. في هذه المدينة تُفتقد أبسط مظاهر الحياة الآدمية.. يجب علينا أن لا ننسى هؤلاء الذين تلعب بهم الأيادي القذرة سواء من الإسرائيليين أو العملاء والواقفين في الطابور الخامس.
سمعت كثيراً حين كنت صغيرة عن ما يسمى العجز والصمت العربي، وتكررت هذه الكلمات كثيراً في مراحل نموي الجسدي والفكري، في أحاديث الكبار، وفي نشرات الأخبار، ولكني لم أكن أجد لها معنى أو تفسير.. ولكن مع مرور السنوات أدركت وفهمت أخيرا ويا ليتني لم أفهم ما هو العجز العربي المؤلم والصمت العربي المزعج!.
قضايانا العربية لا تنتهي، وآلامنا ونزيفها لا يتوقف، ولنا في ذلك يد مذنبة.
وتشارك حماس وفتح بالذنب، وتتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، ففي حين تختلف في المواقف السياسية تقتل أرواح الفلسطينيين الأبرياء، وحين يسيل لعابهم على الكراسي، تسيل في مقابل دماء الأطفال المحرومين.. الكل يتنازع على السلطة ولا أحد يأبه لما يجري.
جمعهم خادم الحرمين الشريفين عبد لله بن عبد العزيز في لفته كريمة وبادرة إنسانية منه في أقدس بقاع الأرض في - مكة المكرمة - وأدوا القسم بجوار بيت الله الحرام وأمام مرأى من العالم لتوحيد الصفوف ونبذ الخلافات والعمل للصالح الفلسطيني العام ولكنهم اليوم أخلفوا الوعد والقسم وتردت حالهم وبالتالي حال شعوبهم.. اتقوا الله في هذا الشعب المسكين!.
هذا الخلاف الذي استثمره الكيان الصهيوني وجعله يشدد قبضته على القطاع ويضيق الحصار الأبشع من نوعه في تاريخ غزة.. فهو اليوم يطرب بصراخ الثكالى ويرقص فوق دماء المقتولين ويروي عطشه بدموع الأطفال الذين لا ذنب لهم سوى أنهم فلسطينيون.
غزة اليوم تعيش ظلما وانتهاكاً علنياً لحقوق الفرد والجماعة ونحن نشهد سكوتا عالمياً وعجزاً عربياً وإسلامياً وموتاً حقيقياً لضمير أغلب البشر العرب منهم والعجم.. ربما تقول في نفسك عزيزي القارئ إنني أبالغ ولكني لا أبالغ ولا أغالي في حديثي وأتمنى أن تقرأ السطور القادمة لتعرف الواقع الذي تعيشه هذه المدينة المنكوبة، والتي كانت نقطة قوة وصمود في الكيان الفلسطيني ومصدر صداع في الكيان الإسرائيلي، وهي نفسها من قال عنها أحد الزعماء الإسرائيليين: (أتمنى أن أستيقظ من النوم وأجد غزة قد غرقت في المتوسط)!.
غزة اليوم ضعيفة ومريضة وأهلها قد ملوا الكلام والتشكي والبكاء والحياة! البنك الدولي يحذر من أزمة مالية وانهيار للنظام المصرفي، ولا وجود للغذاء والدواء لأن الممول الوحيد للقطاع هي منظمة الأمم المتحدة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (انروا) نفذ المخزون الغذائي لديها.
هذا الحصار الخانق قد أغلق المستشفيات والمعابر، وعطل الطلاب عن مدارسهم، وتوقف صرف الرواتب ومنح القروض لعدم وجود سيولة لأن الحكومة الصهيونية قد رفضت ضخ أموال لإنعاش البنوك وبالتالي الاقتصاد الفلسطيني.
ومات المرضى بسبب نقص في الآلات الطبية والأدوية ذلك لعدم سماح الجيش الإسرائيلي بدخول المساعدات والمعونات ومحطة الكهرباء الوحيدة في القطاع متوقفة لنفاذ السولار الصناعي اللازم لتشغيلها بسبب الحضر الإسرائيلي.. فماذا فعلنا لتصحيح هذا الخطأ والجرم الكبير؟؟
في وقت يبحث فيه أهل الأرض عن متع أخرى ووسائل ترفيه ورفاهية جديدة تفتقد غزة لأدنى معايير الحياة الكريمة.. وفي زمن كثرت فيه وسائل الإعلام وتنوعت فيه طرق البث نجد أن غزة مغيبة تماما عن المشهد الإعلامي.. ما زالت الحكومات العربية عاجزة عن فك الحصار عن قطاع غزة كما أن الولايات المتحدة التي تنادي وتزعج العالم بحقوق الإنسان وتطالب بالحرية وتتشدق بالديمقراطية تقف اليوم وتصفق لما يجري من ظلم وسلب وانتهاك فهل هناك أي تفسير منطقي لذلك؟؟ حقيقة لم ولن أجد!.
والآن عزيزي القارئ هل بالغت في ندائي أم نحن من بالغنا في صمتنا ولا مبالاتنا؟؟!.
اللهم ارفع عنهم وصبرهم على مصابهم.. اللهم من أرادهم بسوء فرد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره.. اللهم انظر لهم بعين رحيمة.. فقد انقطع الرجاء إلا منك.
{وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ}.
* * *
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة 8451 ثم أرسلها إلى الكود 82244