في صباح يوم الأحد 2-12-1429هـ كانت عودتي من رحلة عمل خارجية على متن الخطوط الإندونيسية (جارودا).. كانت بداية خط السير من العاصمة الإندونيسية جاكرتا مروراً بمطار الملك عبدالعزيز بجدة ووصولاً لمطار الملك خالد في الرياض، وكان جميع ركاب الطائرة حجاج إندونيسيين ما عدا حوالي عشرة مقاعد...
... كان يشغلها سعوديون وهذا أمر طبيعي في مثل هذا التوقيت وفي كل عام.. لفت نظري منذ البداية التنظيم المتقن لهذه الحملة إذ إن جميع الحجاج يلبسون ثياباً متماثلة ومعهم حقائب جديدة متشابهة تماماً وعلى كل حقيبة طبع الاسم والعنوان واسم الحملة وأرقام هواتفها والغالبية يحملون معهم إضافة إلى هذه الحقائب الشخصية حقائب صغيرة هي أيضاً متماثلة وفيها مجموعة من الكتيبات التوعوية والحاجيات الأساسية، اصطف هؤلاء الحجاج بمطار جاكرتا بانتظام متقن وكان كل من في المطار يودعهم بأجمل العبارات وأحرها وعلى الطريقة الإندونيسية.. عندما ركبنا الطائرة رحب بهم الجميع بنفس الطريقة ومعها ابتسامة عريضة، ثم تحدث إليهم قائد الطائرة مرحباً وداعيا لهم في نهاية كلامه بالحج المبرور، ثم دعا بدعاء السفر عبر شاشات العرض باللغة العربية أولاً ثم باللغة الإندونيسية، وبعد الإقلاع -الذي كان مثلما هو معلن تماماً- تم توجيه المسافرين عبر شريط مرئي وتعليمهم كيفية التيمم وأنت على متن الطائرة وكذا الصلاة، وحين جاء وقت الصلاة أذن مؤذن إندونيسي مسجل وبصوت رائع أذان الظهر، ومما عرض على متن الرحلة فيلم كامل عن الحج منذ البداية وحتى طواف الوداع، وفيلم وثائق آخر عن المسجد الحرام و المشاعر المقدسة ماضياً وحاضراً، ليس هذا فحسب بل عرض فيلم ثالث قصير عن المملكة العربية السعودية من الصحراء القاحلة والجمال والفقر إلى المدن الحضارية الرائعة وكنت أتمنى أن يكون هناك جهة إعلامية متخصصة تقدم مثل هذه الأفلام الوثائقية مجاناً ولجميع الخطوط العالمية وبجميع اللغات الحية إضافة إلى اللغة العربية طبعاً، يشرف على مادة هذه الأفلام صوت وصورة هيئة علمية وشرعية وإعلامية يشارك فيها ممثلون عن الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة في بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية كوزارة الإعلام ووزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ورابطة العالم الإسلامي وغيرها كثير، ومن الأشياء التي تذكر في هذه الرحلة أن في الحملة مرشد ديني تحدث أثناء الرحلة ولمدة نصف ساعة تقريباً باللغة الإندونيسية عن أنواع الحج وواجباته وأركانه كما فهمت من الحاج الذي كان يجلس بجواري ويجيب عن أسئلتي باقتضاب، وحين وصلنا الميقات سمى لنا الميقات وذكر للحجيج الواجب عليهم وبدأ بالتلبية ومن خلفه لبى الحجيج بصوت واحد (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك....)، وعند الساعة الثانية ظهراً حطت الطائرة في مدينة الحجاج وتأهب الجميع للنزول ما عدا نحن العشرة الاستثناء الذين سنواصل سفرنا إلى الرياض، وانتظرنا قليلاً حتى فتحت الأبواب وانتظرنا أطول حتى جاء شاب سعودي ومعه عدد من العمال لا يجاوزون أصابع اليدين، وكانت الصدمة علينا -نحن السعوديين الذين رأينا كل ما سبقت الإشارة إليه أعلاه وبكل تفاصيله الرائعة- كانت الصدمة شديدة جداً حين نزل أول فوج من الحجيج ولم يكن هناك وسيلة تنقلهم إلى صالة المطار، انتظروا يرقبون حركة السيارات القريبة في أرض المطار، وهناك من كان على سلم الطائرة والبقية في الممرات وبجوار المقاعد، بعد زمن ليس بالقصير جاءت حافلة واحدة فقط وتراصّ جمع من الحجاج بها بطريقة عشوائية مخجلة ثم جاءت ثانية وبنفس الطريقة تم النقل والتفويج، والغريب أن من كان يقوم بهذه المهمة عمال النظافة ومن هم على شاكلتهم، سألت السعودي الوحيد الذي كان محرجاً وتبدو عليه علامات الإرهاق والضجر، سألته عن الحكاية، ولماذا هذه الطريقة مع هؤلاء الحجاج الذين كانوا يتوقعون حسن الاستقبال وجميل الرفادة، فقال معتذراً أنا لا أعمل في المطار ولست من أهل جدة وإنما جئت منتدباً هذه الأيام وعملي هذا مع هؤلاء الحجاج الإندونيسيين مجرد نخوة!!
صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل الموقر.. إن كل مواطن سعودي بل كل مراقب منصف فرح لما تحقق في حج هذا العام من نجاح باهر وسرّه ما شهدته وتشهده المشاعر المقدسة بل منطقة مكة المكرمة عموماً من تطور ورقي وتقدم على جميع المستويات وفي كل الاتجاهات والمنعطفات والفضل لله أولاً ثم لولاة أمرنا حفظهم الله ورعاهم ولسموكم الكريم والعاملين معكم وتحت إدارتكم الموقرة والأخبار السارة ولله الحمد والمنة ما زالت تترى وتتابع والخير في القادم من الأيام بإذن الله، ولكن وحتى يكتمل العقد ويتجدد النجاح عاماً بعد عام وصولاً إلى القمة التي نرقبها جميعاً ونأملها في كل القطاعات ومع جميع الجنسيات ويتم تقليل السلبيات إلى أدنى درجاتها كان لزاماً عليّ وأنا من أنصار نظرية الصدمة الحضارية الأولى الإشارة في ثنايا هذا المقال إلى هذه الحكاية عن واقع استقبال الحجيج في مطار الملك عبدالعزيز بجدة وكذا توديعهم والحكايات والقصص التي نسمعها، وتروى لنا مثل هذه الحكاية، بل ربما تكون أشد منها بكثير كثيرة ومتواترة ولكنها غالباً ذات صبغة شخصية ومواقف فردية لا يمكن تعميمها ولا حتى إفرادها بالحديث وقد سبق أن كتب عنها وتمت الإشارة إليها في عدد من كتاب الزوايا اليومية أو حتى الأسبوعية في صحافتنا المحلية، إن الحاج والزائر والقادم إلى بلادنا الغالية تلتصق في ذاكرته وتلازمه وبشكل اللاشعوري المواقف الأولى التي يمر بها وقد يحكم وبصورة أولية على الأقل على الجميع من خلال موظفي المطار والجوازات ومبنى المطار و... لذا كان هذا الرجاء الذي أبعثه لسموكم الكريم إيماناً مني بالواجب وشعوراً بالمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق كل منا حسب موقعه في خارطة الوطن وثقة كبيرة من مواطن يعرف شيئاً عن سجايا خالد الفيصل في أن سموكم الكريم يرحب بالحوار ويفتح قنوات النقد ويعزز فرص التواصل البناء من أجل الوطن وفي سبيل تحقيق راحة المواطنين والقاطنين والزائرين والأمل يحدوني بصفتي من أبناء هذا الوطن العزيز أن يكون من سموكم وفقكم الله التفاتة كريمة لتعزيز التعامل الحضاري في مطار الملك عبدالعزيز في جدة وكل عام وأنتم بخير.