ورد في لسان العرب لابن منظور: .. النفاق: الدخول في الإسلام من وجه والخروج عنه من آخر، مشتق من نافقاء اليربوع.. فكأنه نوع من الظاهر والباطن.. وفي الحديث: أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها، أراد بالنقاق ههنا الرياء، لأن كليهما إظهار غير ما في الباطن.. يبدو أن سلوك النفاق |
سلوك متجذر في الحياة البشرية منذ الأزل، وهو آفة مذمومة من جهة، وقد يكون لها ما يبررها إذا كانت مرتبطة بخوف من قبل المنافق على حياته أو معاشه. |
وقد تعرض علماء النفس والفلاسفة والشعراء وغيرهم إلى ظاهرة النفاق والرياء، وكل له نظرة خاصة لهذه الظاهرة. ونحن هنا سنشير إلى بعض أقوال أبي الطيب المتنبي عنها، قال: |
وما الحسنُ في وجهِ الفتى شرفاً له |
إذا لم يكنْ في فعلهِ والخلائقِ |
وما بلدُ الإنسانِ غير الموافقِ |
ولا أهلهُ الأدنون غيرُ الأصادقِ |
وجائزة دعوى المحبة والهوى |
وإن كان لا يخفى كلامُ المنافقِ |
بين أبو الطيب في أبياته هذه أن حسن وجمال وجه المرء ليس هو الذي يرفع من قدره وشرفه وإنما هو في أخلاقه وشمائله وأفعاله، والإنسان يعيش في أي بلد كان إذا وافقه وارتاح فيه، وكل من بادله الود والمحبة فيه هم أهله، والمحبة قد يدعيها من لا يعتقدها، ويتظاهر بها وهو عكس ذلك، ومع هذا لا يخفى كلام المنافق وقد يتبين ذلك من أقواله. يقول نافع (1403هـ - 1983م): يرى - المتنبي - في الأخلاق العالية الدعامة الأساسية للصديق، وإن الحكم الأول والأخير على هذا الصديق يعود إليها، وإن هذه الأخلاق ينبغي أن تكون طبعا له، لا يتكلفها، فإن المرء يستطيع أن يدعي المودة والحب والهوى ولكنه إذا كان منافقا فلابد للأيام أن تفضحه. |
|
إذا مالناس جربهم لبيب |
فإني قد أكلتهمُ وذاقا |
فلم أرَ ودّهمْ إلا خداعاً |
ولمْ أرَ دينهم إلا نفاقا |
تحدث أبو الطيب في بيتيه هذين عن تجربته مع أناس عصره، وبين أن معرفته بالناس وبأخلاقهم أكثر وأعمق من معرفة اللبيب العاقل المجرب؛ لأنه على حسب قوله كان كالآكل للشيء، واللبيب الفطن كالذائق للشيء والذائق ليس في معرفته لهذا الشيء وماهيته وإدراك حقيقته كالآكل له، ولهذا فهو لم يرَ ودّ ومحبة أناس عصره التي كانوا يبدونها ويدعونها ويظهرونها له إلا خداعا وغشا ونفاقا وكذبا، وحتى من كان يظهر التدين والخشوع والتقوى منهم لم يسلم من آفة النفاق في زمنه. |
نقول: نعتقد أنه في زمننا الحاضر لم يسلم من آفة وسلوك النفاق إلا القليل منا؛ لأن الوسائل والطرق التي ننافق بها عديدة ومختلفة ويمكن سترها بأساليب متنوعة، ولكن من كان ذا معرفة وفطنة كالمتنبي فبإمكانه التحقق منها؛ لأنه لا يمكن أن يخفى كلام المنافق. |
|
|
عبدالفتاح صالح نافع (1403هـ - 1983م). (لغة الحب في شعر المتنبي). دار الفكر للنشر والتوزيع، عمان - الأردن. |
الرياض |
11642 ص.ب: 87416 |
|