إنَّ توثيقَ السيرِ والتراجمِ له فائدتُه التأريخية، لذا نجدُ كثيراً من العلماء اهتموا بكتابة التراجم وتوثيقها، وأفردوا لها كُتباً مُستقلَّة، وما زالتْ الفائدةُ تُستقى من تلكَ الكتب منذ نشأة علم التاريخ إلى العصر الحاضر، وكذلك فإن الاهتمام بتقييد هذه التراجم له أثرهُ النافعُ حاضراً ومستقبلاً، كما أنها جزءٌ لا يتجزأُ من التاريخ، ومنْ هذا المنطلقِ حرصتُ على الترجمةِ لبعض الشخصياتِ التي عرفتُها، ولها مكانتُها العلميَّة وأثرُها الواضحُ في المجتمع، وليست العبرةُ في توثيقِ السيرِ أنْ يكونَ المترجَمُ له مشهوراً معروفاً عندَ عامة أفراد المجتمع، بل العبرةُ بما يملكونَه من علمٍ ومعرفة توجبُ على من عرفهم تدوينَ ما يعرفه عنهم وها أنا أُترجمُ لوالدي - يرحمه الله - فأقولُ مُستعيناً بالله متوكِّلاً عليه: |
اسمه: عبدالله بن مشاري بن سليمان بن مشاري. |
والده: الشيخُ الفرضيُّ مشاري من أهل العبادةِ والديانةِ وممَّنْ آتاهم اللهُ علماً وفهماً وإدراكاً وحلماً وكرماً وخُلُقاً حَسَناً، وسَبَقَ أنْ كتبتُ ترجمةً عنه نُشرَ مختصرها في جريدة الجزيرة، ووالدته هي المرأةُ الصالحةُ العابدةُ رقيَّة بنت موسى بن عبدالله بن موسى وكانت نعم الأم ونعم المربية، ذاتُ أخلاقٍ فاضلةٍ نبيلةٍ وإحسانٍ إلى الفقراءِ والمساكين، دائمةَ الذكرِ لله والنصحِ والتوجيه والدعاء، حفظتْ عدداً من سور القرآن الكريم حفظاً متقناً، لعناية أخيها عبدالكريم بن موسى بحفظها - يرحمهما الله - ولكثرةِ سماعها إذاعة القرآن الكريم - جزى الله القائمين عليها خيراً -، والكلامُ عنها يطول، ويكفي هنا مجردُ إلماحةٍ يسيرة. |
ولادته ونشأته: ولد في الداخلة، وكانتْ ولادته يوم الأربعاء في النصف من شهر شوَّال عام 1360هـ، وقد أرضعنه مُرضعتانِ هما منيرة البابطين - يرحمها الله - زوجة مشاري بن عبدالله بن مشاري ابن عم والده، والمرضعةُ الثانيةُ عمَّةُ والدتهِ منيرة بنت عبدالله الموسى - أطالَ اللهُ في عُمُرها على طاعته - حيثُ أرضعتهُ أربعينَ يوماً متواصلة وأياماً أخرَ متفرقة، ولمَّا بلغَ من العمرِ سنتين، جاء به والدهُ معَ أمِّه إلى منزلهِ الذي كان حينها في قرية العليا في المنطقة الشرقية، وكانتْ وسيلة النقل إذ ذاك على الركائبِ (وكانَ الجمَّال) رجل اسمه مقبل العصيمي - يرحمه الله - ، والمترجَم له قضى غالب مراتع الصبا في قرية العليا، حيثُ نشأَ في كنفِ أبوينِ صالحين، ألحقهُ والدهُ بالكتَّاب فتعلَّمَ القرآنَ الكريم ومبادئ العلوم عندَ الشيخ إبراهيمَ ابن طالب جدِّ فضيلةِ إمام المسجد الحرام الشيخ صالح، وكذلك تعلَّم على يد الشيخ سليمان ابن عبداللطيف من أهالي أُشيقر، وقبلَ ذلكَ على يد والده، وتخرَّجَ من الابتدائية في مدرسة قرية العليا، ومديرها إذ ذاك الشيخ محمد الهويش، وكانَ حينَ دراسته فيها يساعد والده وعمّه في محلِّهما التجاري. |
صفته وأخلاقه: متوسطُ الطول، حنطيُّ اللون، مربوعٌ، مستديرُ الوجه، وعلى وجهه أثر من جُدَريٍ أصابَه صغيراً وشفاهُ اللهُ منه، تميَّز بأخلاقٍ فاضلةٍ وصفاتٍ حسنة، ذو صدقٍ وأمانةٍ وصلاحٍ وديانةٍ، وكانَ ورعاً زاهداً حازماً مهيباً، عَفَّ اللسان طيّبَ المجالسة والمعاشرة, وكان عصاميَّاً يقضي حاجاته بنفسه ولا يحب أن يكلِّف الآخرين، كما كان يحبُّ مجالس العلم ومجالسة العلماء، وحضر بعض المحاضرات العلميَّة والندوات التي أقيمت في جامع الإمام فيصل بن تركي بالرياض ونحوه، وكانَ ذا كرمٍ ومحبَّةٍ للضيف، باراً بوالديه محسناً صُحبتهما، وصولاً لرحمهِ ولجيرانهِ وأصحابهِ وأصحاب والدهِ وجدِّهِ، كما كان محبَّاً للأطفال يفرحُ بإدخالِ السرورِ عليهم بأيِّ شيء ولو كانَ يسيراً، كما أني لم أرَ والدي إلا قويَّاً صبوراً جلداً، ولم أسمع منه كلمة نابية قط، كما كان نعم المربي والموجِّه لأبنائه، يقضي حوائجه بالكتمان، متواضع مع الكبير والصغير، وقد جمع الله له بين عزة النفس والتواضع، سخيٌّ كثير الإنفاق والصدقة التي غالبها تكون سرِّاً. |
زهدُه بالدنيا: كان - يرحمه الله - ممن لم تغرهم الدنيا وزينتها ولم يلتفت لها أبداً، وكان رغبته منها ما يبلِّغه الطريقَ ويسدُّ الحاجة، ولم يكنْ مُهتماً بالمظاهرِ اللامعة ولا مبالغاً في المركب ولا في تجميلِ الدور مع استطاعته وقدرته وتوفُّر المال لديه، إلا أنه آثرَ من المنازلِ منزلاً متواضعاً ليس بخلاً أو حرصاً على الدنيا وإنما قناعة وزهد ظاهر وعدم التفات إلى زخارفِ الدنيا وبهجتها. |
انتقاله من قرية العليا إلى الداخلة: بعدَ تخرُّجهِ من المرحلةِ الابتدائيةِ في قرية العليا انتقلَ إلى بلدةِ الداخلة في سدير، وأقامَ سنتين عندَ جدِّه الشاعرِ المعروف سليمان بن مشاري ابن علي - رحمهما الله -، سنةً قبلَ التحاقه بمعهد المعلمين بروضة سدير، وسنةً دراسيةً فيه، وأفاد حينها من جدِّه، واكتسبَ شيئاً من صفاتهِ الفاضلةِ وأخلاقهِ النبيلة، وكانَ نعمَ المربي، حيثُ كانَ حينها ملازماً له وقريباً منه وهو أعرفُ الناسِ بحالِ جَدِّه، وألصقُ أحفادهِ به. |
انتقاله من الداخلة إلى الرياض: لمَّا أمضى سنةً دراسيةً في معهد المعلمين بروضةِ سدير انتقل إلى معهد المعلمين بالرياض، وكانَ بينهُ وبينَ جَدِّه سليمان مراسلات (مكاتيب)، وكان الدافع لانتقاله إلى معهد المعلمين بالرياض رغبته في أنْ يُعيَّنَ معلِّماً في مدينةِ الرياض، لأنَّهُ صدرَ توجيهٌ ذلك الحين، بأنَّ يُعيَّن الطالب في المدينةِ التي يتخرَّجُ في معهدِها، وهذا ما حدث فبعدَ تخرَّجه تعيَّنَ معلِّماً في مدرسةِ معن بن زائدة الابتدائية في حوطةِ خالد بالرياض، ثم بعدَ حينٍ واصلَ دراستَه الجامعيَّة عن طريقِ الانتساب إلى أنْ تخرَّجَ في أول دُفعةٍ تخرَّجتْ في كليةِ أصول الدين بجامعةِ الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ثم واصلَ دراسةَ الماجستير في قسم الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بالجامعة نفسها، وكان عنوان رسالته فيها (التنصيرُ في مصر) حيثُ ذهبَ لمصر لجمعِ معلوماتٍ تتعلقُ بموضوعِ الرسالة، إلا أنَّ رجلاً أشارَ عليه بعدمِ البحث في هذا الموضوع، لما له من حساسيةٍ، فعدَلَ الوالدُ عن مواصلةِ البحث في هذا الموضوع واستبدله بعنوانٍ آخر وهو (التنصيرُ في إندونيسيا) إلا أنَّ كثرةَ المشاغلِ حينها حالتْ دونَ إكماله الرسالة. |
علميته: كان يستظهر أكثر سور القرآن الكريم عن ظهر قلب ويقرؤه قراءةً متقنةً، وكان ذا صوتٍ حسنٍ جهوريٍّ مؤثِّرٍ، ولديه إلمامٌ واسعٌ بالعقيدةِ الصحيحةِ وما يضادها، ومعرفةٌ بالعقائد المنحرفةِ القديمة والحديثة على كثرةِ فرقِها ونِحلِها، ويحفظُ المعلَّقاتِ العشر وبعض قصائد الزهد والحكمة وشيئاً من نونيَّةِ ابن القيم، وغالبُ قصائدِ جدِّه، ولديه إلمامٌ بعلمِ الفقهِ وأصولهِ وعلمِ القافيةِ والعروضِ وعلمِ الفرائض، ومجالِسهُ لا يَملُّ منادمتَه للفوائدِ والطُرَفِ التي يوردُها، وله اطِّلاعٌ واسعٌ في كتبِ الأدبِ والتاريخ، وبخاصةٍ في تاريخِ نجد والدعوة الإصلاحيَّة، وله معرفةٌ بالأنساب والأحساب، وقد وهبهُ اللهُ منطقاً حَسَناً وحُجَّةً قويَّةً ظاهرةً وأسلوبَ إقناعٍ متميِّز، ولديه ثقافةٌ إسلاميةٌ واسعةٌ في شتَّى الفنونِ حتى أصبحَ موسوعةً علميَّة، وكان يُعدُّ المرجعَ العلميَّ في التأريخ والأنساب في بلدته وأسرته وجماعته، وكثيراً ما يقصدُه المهتمونَ في هذا الجانب، وإذا جاء سائلٌ في سدير يسأل عن التاريخ والأنساب وجَّهَهُ الناسُ إلى المترجمِ له، وعنده تمكُّنٌ في قراءة المخطوطات وصبرٌ وجلَدٌ في تحقيق ألفاظها الغامضة، كما كانَ يتميَّزُ بخطٍ جميلٍ فائقٍ، وآخرُ ورقةٍ خطَّها بيده مؤرخةٌ يوم الجمعة الموافق 26 - 9 - 1429هـ، أي قبل وفاته بيوم وليلتين. |
حُبُّه وشغفه لجمعِ وقراءةِ الكتب: لديه اطَّلاعٌ واسعٌ ومعرفةٌ متبحرةٌ في الكتبِ والطبعاتِ والناشرينَ والمؤلفين وأفضل المحققين، وهو ممنْ يُستشارُ كثيرا في ذلكً من قبل الباحثين في رسائل الماجستير والدكتوراه، كما أنَّه يمتلك مكتبةً تضم أُمَّاتِ الكتبِ ونفائِسها، وكان - يرحمه الله - محبَّاً للكتب، فهيَ أنسه وعندَها يجدُ سعادتَه، شَغوفاً باقتنائها وقراءتها، انطبعَ معهُ هذا الشغفُ والنهمُ مُذْ حداثةُ سِنِّه، وإني لأعجبُ من جَلَدهِ وصَبرهِ في طولِ الوقتِ الذي يُمضيه في المكتباتِ العامةِ والتجاريةِ ليطَّلعَ على ما استجدَ من كتبٍ أو ما لفتَ نظرهُ منها، يمكثُ الساعاتِ الطِوال دونَ أنْ يشعرَ بمضي الوقت، يشتري أنفسَ الكتب مهما غلتْ قيمتها، ولقد كانَ يفرحُ بالكتاب يُقرأُ عليه فيه، أو يهدى له من قبل محبٍ وصديقٍ ورفيقِ درب. |
إعلام وعلماءٌ أفادَ منهم: الأول جَدُّهُ الشاعرُ المشهور - سليمان بن مشاري ابن علي - يرحمه الله -، حيثُ لازمهُ مدةً طويلة وأفادَ من علمه ورأيه السديد، واكتسبَ منهُ الدِّقةَ في ضبطِ الأشياء اللازمِ ضبطها، كما ورِثَ منه النباهةَ والذكاء التي كان يتميَّزُ بها، والثاني والدهُ الشيخُ الفرضيُّ - مشاري بن سليمان المشاري - يرحمه الله -، حيثُ كانَ كثيراً ما يقرأُ عليه في الكتبِ المتنوعةِ الفنون، كما كانَ لحسنِ تربيتهِ وحسنِ توجيهه الأثرُ البالغُ في شخصيته المتميزة، والثالث أبوهُ من الرضاعةِ وابنُ عم والده الشيخُ الفاضلُ ذو الرأي السديدِ والعقلِ النابه - مشاري بن عبدالله بن مشاري ابن علي - يرحمه الله -، وكانا والدي وجدِّي يذكرانِ رفيعَ منزلتهِ العلميَّةِ، والرابع الشيخُ العلاَّمةُ - زيد بن عبدالعزيز الفيَّاض - يرحمه الله - ويظهرُ لي أنَّه كانَ ملازماً له، ويزورهُ باستمرار وزادتْ صلته به أكثر في مرض الشيخ الذي ماتَ فيه، وكنتُ قد ذهبتُ مع والدي لزيارته عِدَّة مرَّاتٍ، وكان يأنسُ بأبي ويرتاحُ لزيارته ويتبادلُ معه أطرافَ الحديث ويتناقشان في أمورٍ كثيرةٍ، والخامس الشيخُ العلاَّمةُ د. محمد رشاد سالم - يرحمه الله - حيثُ أفاد منه أثناء دراسته في كلية أصول الدين، كما كان المشرف على بحث التخرُّج، ولمَّا جلسَ ليناقش والدي في البحث ذهبَ ظنُّ الشيخ إلى أنَّها رسالةَ ماجستير لا مجردَ بحث تخرُّج وأُعجبَ بالبحث المقدَّم وأثنى عليه، والسادس الشيخُ العلاَّمةُ د. عبدالعزيز الراجحي - حفظه الله - حيث تتلمذ عليه أثناء دراسته في كلية أصول الدين بالرياض وغيرهم من العلماء والإعلام. |
زملاؤه، ومن له صلة بهم: هم كثيرون وغالبهم مثقفون ووجهاء وقد آثرت عدم ذكر من أعرفه منهم خشية أن يلومني الذين لم أذكرهم، لذا آمل ممن له معرفة أو صلة أو صداقة مع والدي أن يفيدني بها عبر صندوق البريد المبين في آخر الترجمة لإضافتها إليها وجزاه الله خيراً. |
الأعمال التي تولاَّها: مساعدةُ والدهِ وعمِّه في محلِّهما التجاري في قرية العليا حينما كان متواجداً فيها، وعَمِلَ في كتابةِ المعاريضِ والخطابات للناس أثناء دراستهِ في معهدِ المعلمين بالرياض، وعَمِلَ في شراء وبيع الكتب أثناء دراسته في معهد المعلمين بالرياض، وعَمِلَ معلِّماً في مدرسةِ معن ابن زائدة الابتدائية في الرياض، ثم عَمِلَ موظفاً في وزارة المالية في إدارة أملاك الدولة ثم في مصلحة معاشات التقاعد (صندوق التقاعد حالياً) واستمرَّ فيها إلى أن طلبَ الإحالةَ إلى التقاعد المبكر، ورُفضَ طلبهُ ووعدوهُ بالترقيةِ تلوَ الترقية حالَ عدولهِ عن طلبه، إلا أنَّه أصرَّ عليه، وأُحيلَ إلى التقاعد عام 1410هـ على المرتبةِ الحاديةَ عشرة، وتولَّى الإمامة والخطابة في الجمعة والأعياد والاستسقاء في جامع بلدة الداخلة في سدير، وذلك بعد انتقالي منها إبَّان عملي إماماً وخطيباً في الجامع ذاته، حيث تمَّ تعييني موظفاً في وزارة العدل في مدينة الرياض، وقد كان والدي يصلِّي الفروض بالناس مع استمراري في الخطابة إلى أنْ تقدَّمتُ بطلب الاستقالة منه، ومن ثم عُيِّنَ والدي - رحمه الله - رسميَّاً في الإمامة والخطابة، واستمرَّ إلى وفاته - يرحمه الله -، كما أنَّهُ الناظرُ على أوقاف أسرته وعلى الأوقاف في بلدته، وكان نعم المنافحُ عنها، يدافعُ عنها ممن يريد أنْ يضعَ يده عليها ظلماً وعدواناً، ومنْ أمثلة ذلك ما حصل لأرض مقبرة الداخلة حيث ظلَّ المترجمُ له يدافعُ عنها قرابةَ عشر سنوات لا يرجي جزاءً إلا من الله تعالى، ولم يأخذْ شيئاً مقابلَ ذلك، بلْ بذلَ من وقتهِ وحُرِّ ماله لأجل الدفاع عنها احتساباًَ لله تعالى، فحمى الله أوقافَ موتى صالحين، وكلُّ ذلك فضلٌ من ربِ العالمين، وهذه الوقفةُ تحتسبُ - إن شاء الله - في رصيدِ حسناته التي لن ينساها له تاريخُ بلدتهِ وأهلها، والصالحونَ من أُسرته، فجزاهُ الله خيراً،كما كان لهُ - يرحمه الله - أثرٌ بارزٌ واضحٌ من حين عودته إلى بلدته الداخلة في شهر رمضان المبارك للعام 1416هـ، فقد هابهُ ذوو الأساليبِ الملتويةِ من الاعتداء على أملاكِ آل ابن علي وأوقافهم، حيثُ إنَّ آل ابن علي لهم أملاكٌ كثيرةٌ في الروضة وجلاجل والمعشبة والعودة والحصون و...، قال جدُّ والدي الشاعر المعروف سليمان بن مشاري ابن علي رحمه الله تعالى: |
حنَّا هلَ الأملاك في وادي الفقي |
الأرضْ أرضٍ والنخيلْ نخيلْ |
مكانته في أسرته: له مكانةٌ رفيعةٌ فيهم يحبُّه الصغير والكبير، ويلهجُ أكثرهم له بالدعاء خصوصاً عندما علموا بمرضه - غفر الله له -، أمَّا سببُ مكانتِه الرفيعةُ فيهم فلما تميَّزَ به من الرأي السديد والعلم والمعرفة، فهو فقيه الأسرةِ ومرجعها لما يتمتَّعُ به من رفقٍ وأناةٍ وحُسنِ تصرُّفٍ في معالجةِ الأمور والمشكلات وبحكم كونه عميد الأسرةِ والمقدَّم فيهم، ومحل ثقتهم، فكثيراً ما يُستشار من قبلِ بَعضِهم ويُشيرُ عليهم بصدقٍ وإخلاص، وقال عنهُ أحمد المنصور - يرحمه الله - (عبدالله بن مشاري بن سليمان بن مشاري ذو رأي سديدٍ وإدراكٍ وعقلٍ راجحٍ وكانَ يقولُ لي: (والدكَ هو آل ابن علي). |
علاقاته الاجتماعية: أمَّا عنْ علاقاتهِ الاجتماعيةِ فهيَ ذاتُ تميُّزٍ فغالبُ من عرفهُ أحبَّهُ وأحبَّ مجالستَه، ولو لم يكنْ جالسهُ إلا مرةً واحدةً، كما أنَّهُ يُنزلُ كلَ إنسان منزلته، ويخاطبُ الناسَ على قدر منازلهم ومداركهم، وهذا فضلُ الله يؤتيه من يشاء من عباده. |
أمره والده فنفَّذ بلا تردد: طلب منه والده - جدي مشاري - أنْ يتولَّى الإمامةَ والخطابةَ في جامع بلدته الداخلة ورعاية أملاك الأسرة في سدير عموماً، فانتقلَ إليها صابراً محتسباً إرضاء لوالده رغم كِبَرِ سِنِّه وأيضاً كثرة ارتباطاته ومصالحه في مدينة الرياض، وقد ذكرَ لي جدِّي مشاري أنَّه رأى في المنام عمَّه الشيخ عبدالله بن مشاري وكأنهم في جامع الداخلة فقدَّمَ عمّه والدي عبدالله ليصلِّيَ بالناس، وكان تأويلُ جدِّي لتلك الرؤيا أنَّ والدي يكونُ إماماً وخطيباً للجامع فكان كذلك. |
قصائده: وقد جمع الله له قرضَ الشعرِ بالفصيحِ والعامي وقد طرق فنونا متنوعة من فنون الشعر، ومن القصائد الرثائية: قصيدةٌ رثائيةٌ في سماحةِ الشيخِ العلاَّمة الوالد - عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز - يرحمه الله -، نُشرَ بعضَها في صفحةٍ كاملةٍ في مجلة الدعوة العدد رقم (1699) وهي مسجَّلةٌ بصوته، قال في مطلعها: |
كفي الدموع يا عيون |
لن تشبعي من الهتون |
وقصيدةٌ رثائيةٌ في سماحة الشيخ العلاَّمة محمد بن صالح ابن عثيمين - يرحمه الله -, وهي مسجَّلةٌ بصوته قال في مطلعها: |
خطبٌ دهى وجهَ البسيطة وقعه |
فالحزنُ عمَّ فكم ترى من باكِ |
وقصيدةٌ رثائيةٌ في الشيخ العلاَّمة بكر أبو زيد،لم أطَّلع عليها إنما أخبرني بها، وقصيدةٌ رثائيةٌ في والده الشيخ الفرضي مشاري، وهي مسجَّلةٌ بصوته، وقصيدةٌ رثائيةٌ في والدته رقيَّة بنت موسى الموسى، وقصيدةٌ رثائيةٌ في ابنته الجوهرة،لم أطَّلعْ عليها إنما أخبرني بها، التي توفيت قبله بأربعة أشهرٍ إلا ستةَ أيَّام، وقصيدةٌ رثائيةٌ في زميلهِ ورفيقِ دربهِ وخاصةِ أصحابه وابن عم والدته الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن عبدالله الموسى، وهي مسجَّلةٌ بصوته، وقصيدةٌ رثائيةٌ في صاحبهِ الشيخ عبدالرحمن ابن عيبان (أبو ناصر) - يرحمهم الله جميعا -، وهي مسجَّلةٌ بصوته ومما قال فيها: |
أبا ناصرٍ عينيَّ تذرفُ دمعها |
وقلبيَ بالأحزان صار مطوَّقا |
وقصيدةٌ رثائيةٌ في ثلاثة من أبناء الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز السويح الذين توفاهم الله في حادث سيارة - يرحمهم الله -، فأرسل القصيدة إلى والدهم، وهيَ مُسجَّلةٌ بصوته ومتداولةٌ في بعض مواقع الإنترنت وكذلك في أجهزة الجوال قال في مطلعها: |
اللهُ يعظمُ أجركم |
يا ابنَ السويِّح بالبنين |
وله قصائد كثيرة منها قصائد قالها في مناسبات اجتماعية، ومنها قصيدة مطوَّلة في مرتع صباه (قرية العليا), سمَّاها (طوى التاريخ) قال في مطلعها: |
طوى التاريخ صفحته ولكن |
بقريةَ صفحةٌ لا بُدَّ تُجلى |
وهي مسجَّلةٌ بصوته، يصفُ فيها بدقةٍ ما حدثَ له أيام الصبا وذكر فيها رجالاً من سكَّانها وأحداثاً وقعت فيها تلك الفترة، وله أبياتٌ ضمَّنها إحدى قصائده في أسرة آل ابن علي كآفة، فيها تفصيلاتٌ بديعةٌ، وله قصيدةٌ في بلدة الداخلة، وبينه وبين عمِّه الشاعر محمد بن سليمان بن مشاري مساجلةٌ شعريةٌ في مرض وفاة عمِّه - يرحمهما الله -، وله قصائد قالها أثناء معالجة عيونه، وله قصائد عديدةٌ أثناء مرضه الأخير غفر الله له، ومما قاله لي بعدَ وفاة ابنته الكبرى وبداية ظهور أثر المرض عليه، يا بنيَّ أحمد الله تعالى أني لم أدخل في أمورٍ فيها شبهة مع كثرةِ الفتنِ التي تعرضُ للمرء في حياته، والله سبحانه سلَّمني ونجَّاني منها فلم انزلق في أوحالها، وهذا من فضل الله عليَّ، وأحمدُ الله يا بنيَّ أنَّ الله يسَّر أموري في الحياة فما من عقبةٍ تعترضُ إلا يسَّرها الله بمنِّه وكرمه. |
مرضه الذي مات فيه: اشتدَّ عليه المرض من بداية عام 1429هـ، حيثُ كانَ مُصاباً بسرطان الغدة الدرقيّة، ولم يخبر أحداً - حتى أقرب الناس إليه - قرابة ثلاث سنوات إلى أن زاد عليه بعد وفاة ابنته الكبرى وأُدخلَ مستشفى الخالدي في الأردن بمدينة عمَّان يوم الثلاثاء الموافق 20 - 6 - 1429هـ، وأجرى العمليَّةَ في الأردن، ثم نُقلَ إلى الرياض بطائرةِ الإخلاء الطبي صباح يوم الجمعة 29 - 7 - 1429هـ وكان يرافقه فيها العم علي - حفظه الله -، وذلك على نفقةِ الدولة - حرَسها الله وأعزَّها بالإسلام وأعزَّ الإسلام بها -، ومكثَ في مستشفى الملك سعود تسعةَ أيامٍ، ثم نُقلَ إلى المستشفى العسكري بالرياض ومكثَ فيه إلى أنْ توفَّاهُ الله تعالى. |
وفاته: توفَّاه الله في المستشفى العسكري بالرياض في الساعة الخامسة والثلث صباح الأحد الموافق للثامن والعشرين من شهرِ رمضانَ المبارك للعام 1429هـ، وتولَّى غسله ابتداء في المستشفى ابنه الأكبر خالد مع عددٍ من ممرضي المستشفى، ثم بعد ذلك قام بغسله ثلاثة من أبنائه وهم: سليمان، وعمر - كاتبُ هذه الترجمة -، وعبدالحميد، مشاركةً مع المغسِّلِ في مغسلةِ الأموات في جامع الراجحي في حي الجزيرة بالرياض، وكانَ الفراغُ من غسلهِ وتكفينهِ في تمامِ الساعة الحادية عشرة صباحاً، وصُلِّيَ عليه بعدَ صلاةِ العصر من اليوم نفسه، ووريَ جثمانَه الثَّرى في مقبرة النسيم وأنزلَهُ في القبرِ ابنهُ عمر وابن أخيه محمد بن إبراهيم ومؤذن جامع الحبيب في حيِّ العقيق بالرياض، وشهِدَ جنازتَه جمعٌ غفيرٌ من الناس من محبيهِ وأقاربهِ وأصدقائهِ، وتزاحموا لتعزيةِ إخوانهِ وأبنائهِ وكبارِ أسرتهِ ولم يفرَغوا إلا قبلَ أذانِ المغرب بقرابة نصف ساعةٍ، واكتظَّ المنزلُ بالمعزِّين مدةَ خمسةِ أيامٍ متتابعة، من بعدِ ظهرِ كلِّ يومٍ إلى منتصف الليل، والجميعُ يدعونَ لهُ بالرحمة ويذكرونَ فضلَهُ ومحاسنَهُ - يرحمه الله -. |
وأودّ أن أذكر بأن الشيخ الدكتور عبدالعزيز بن محمد السدحان - حفظه الله - قد كتب مقالاً عن الوالد نُشر في جريدة الجزيرة في العدد رقم (13176) في صفحة الرأي بعنوان (وإنا على فراقك يا أبا خالد لمحزونون)، كما إنَّ محرِّرَ الورَّاق يوسف بن محمد العتيق - حفظه الله - كتبَ مقالاً عنه في عمود صفحة الورَّاق عنون له ب(ومات أصمعيُّ الداخلة) في العدد رقم (13156)، وها أنا كتبتُ هذه النبذةَ عنْ والدي مما كانَ حاضراً في الذهن مما عرفتُهُ عنهُ، واللهَ أسأل أنْ يجعلَ ما كتبتُه خالصاً لوجههِ الكريم وأنْ يغفرَ لي ولوالديَ وللمؤمنينَ يومَ يقومُ الحساب آمين، وأشكرُ منْ تولَّوا مراجعةَ هذه الترجمةِ وهما العمُ العزيز - علي بن مشاري، وأخي العزيز - خالد، حفظهما الله تعالى، وكان الفراغ من تحرير هذه الترجمة في يوم الخميس الموافق 29 - 11 - 1429ه، وآمل ممن لديهِ معلومات تُثري الترجمة أنْ يرسلها مشكوراً على ص. ب (380488) الرياض (11345)، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. |
قاله وكتبه نجلُ المترجَم له |
عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري - خطيب جامع بلدة الداخلة في سدير |
المشرف على الفترة المسائية بمكتبة الرياض السعودية |
|