إن الحوار بإطاره الثقافي وبأهدافه الإنسانية هو منهج الحكماء والعقلاء فهو أداة فعالة لبناء الثقة والتفاهم بمدلولاته العامة، وتخرج المطبعة العربية كل يوم بل في كل ساعة من ضروب العلم والثقافة ما يتناول ميادين المعرفة في شتى مجالاتها الثقافية والحضارية والتربوية والاجتماعية، وإن ساحة المعرفة تتطور بصورة مذهلة.. ولقد انفتحت الثقافة العربية على آداب الأمم الأخرى وثقافاتها وحضارتها فأصبحنا نقرأ كتباً كثيرة تتحدث عن آداب الأمم الأخرى وترجمة الكتب الكثيرة على مستوى الفكر والأدب والفن - وهناك من يدعو إلى الارتفاع عن مجرد المحلية والنزعة الضيقة والإسهام في الوصول إلى مختلف الثقافات والآفاق العالمية والإسراع باللحاق بمن سبقونا في مجالات العلوم والآداب - ولا شك أن الانفتاح على الثقافات والتعرف عليها شيء جيد وبخاصة في هذا العصر الذي ارتبط العالم فيه من خلال القنوات الفضائية والأقمار الصناعية ووسائل الإعلام المختلفة، ولكن مع ذلك كله ينبغي أن نحتفظ بشخصيتنا الثقافية وهويتنا الفكرية فنحن أمة ذات رسالة سامية وحضارة إنسانية ولابد من المراجعة والتقويم لكل النماذج الفكرية، ولقد قيل (الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا) ومن يقم بزيارة عواصم الغرب يعرف صورتنا في مرآة الغرب، فقل أن تجد كتابا لمبدع وأديب عربي في تلك المكتبات وما زال الاعتراف بآدابنا ضئيلا وليس له قيمة أو أهمية، كما قال لي أحد أصحاب المكتبات في باريس... إن البحث عن قارئ أوروبي أو أمريكي ما زال بعيداً عن مبدعيكم، فقلت إن لدينا مبدعين ورواداً في الآداب وإذا لم يتحقق لهم الوصول إلى قرائكم فلن يكون شغلنا الشاغل وحلمنا الدائم، والإبداع لا وطن له، كما أن الهوى والميل والتعصب يجب أن تكون بعيدة عن الأمور الفكرية والثقافية ويجب النظر إلى الآداب الأخرى ومنها الأدب العربي بعين الحيدة والإنصاف ورصد ظواهر الإبداع في أي مكان في العالم ويجب الاقتراب من فهم الشخصية الأدبية العربية وما تنطوي عليه من قيم ومثل وعادات وتقاليد وتيارات فكرية ومعايير ودلالات، ثم قال إن الكتب السياسية والاقتصادية هي الأكثر رواجاً في هذا العصر من الكتب الأدبية وبزيارة للمكتبات في الجامعات الغربية نجد اهتماما بذلك بل تحتل الدراسات العربية الإسلامية مساحة واسعة من الاهتمام ونقرا باستمرار عن المعاهد والمراكز المتخصصة في الجامعات وغيرها.
إن التعامل مع الغرب يحتاج إلى مزيد من الفهم بالكلمة الراقية وبالمنهج السوي والتعمق في معرفة المنطلقات والأطر والعوامل التي تؤثر فيه، وما زلنا نقرأ باستمرار عن أهمية الحوار الحضاري بين الشرق والغرب وإنماء العلاقات الودية بين الأمم، ولعل الأدب العربي خير سفير لإزالة أسباب البعد وسوء الفهم وخير عنوان للتعريف والتقارب بين الحضارات فهو محور حيوي يبرز الرؤى عن الحضارات ويسهم في مسيرة الحضارة الإنسانية ويبدل ويغير الصور الكثيرة الذهنية السيئة المطبوعة عنا في أفكار الغربيين وأذهانهم وتصحيح ما في ذهنية الرأي العام الغربي - فأرباب العلم ورجال الثقافة وأهل الأدب خير من يصحح النظرة القاتمة والأوهام الفكرية وكم يستهويهم النقاش والحوار بطريقة موضوعية ووعي معرفي.. وهو أحوج ما نكون إليه في هذا العصر ومواجهة تحديات القرن القادم والمزيد من الثقافة والمعرفة والتعليم بكل ما يتطلب ذلك من أبحاث ودراسات لكي لا نتأخر عن الركب والاستفادة من العقول العربية المهاجرة من علماء ومفكرين عبر آليات وقنوات محددة وحركة فاعلة في القول, العمل والإبداع فنحن في عصر لا يلتفت إلا لمن يملك القوة والعلم والمعرفة.