Al Jazirah NewsPaper Sunday  14/12/2008 G Issue 13226
الأحد 16 ذو الحجة 1429   العدد  13226
التوازن بين التدريس والبحث العلمي في جامعاتنا
أ.د. عبد المحسن بن وني الضويان

تقوم الجامعة على دعائم ثلاث أساسية هي التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع، كل دعامة لها أهميتها ودورها في رفع مستوى الجامعة والارتقاء بأدائها وتطويرها. التدريس تبرز أهميته مما يقدم للطلاب من معلومات في تخصصات مختلفة تهيئه للتحصيل في مهنة أو مسار محدد.

فطالب الهندسة مثلا لابد من حصوله على جرعات في التعليم الهندسي تتحقق عن طريق أخذ بعض المقررات في التخصص المطلوب مدعومة بمقررات ذات تأثير مباشر في تحقيق المستوى المطلوب في تخصصات أخرى كالرياضيات واللغة والحاسب الآلي وحتى في العلوم الإنسانية. مستوى هذه المقررات تحدده أيضا مفردات المقرر بحيث تتكامل فيما بينها لتصل إلى الجرعة الكافية تماما، كما هي الحال بالنسبة للمريض. فمعروف أن الجرعة الدوائية إن قلت لم تفد وإن زادت ضرت. أساس هذه المفردات للمقرر يجب أن تستند إلى مستويات عالمية معروفة تتطور باستمرار تبعا للتطور في مجال المهنة. لذا فهناك حرص على تطوير المحتوى لكل مقرر بما يتناسب والمعايير العالمية وحاجة سوق العمل. كما أن المقررات كلها على نطاق واسع تتكامل فيما بينها لتصل بطالب الهندسة إلى المستوى المؤمل في المهندس لكي يستطيع ممارسة مهنته بكفاءة واقتدار. من هنا تبرز أهمية المراجعة المستمرة للخطط الدراسية وتطويرها لتواكب التطور الكبير في تقنيات الصناعة المختلفة.

البحث العلمي مهم جدا فهو من المعايير الأساسية في تقويم الجامعات وتحديد مستواها فتصنيف الجامعات المعروفة يعتمد كثير منها على كمية ونوعية البحث العلمي وتمويل البحث العلمي ومصادر التمويل، كلما زاد الدعم المالي والمعنوي للبحث العلمي وكلما زاد الإنتاج البحثي لأعضاء هيئة التدريس كان ذلك مؤشرا على ارتفاع مستوى الجامعة. كما أن توجه البحث العلمي وأهدافه يجب أن يؤخذ في الحساب بمعنى أن يخدم إستراتيجية محددة، ويعمل على حل المشكلات التي تواجه المجتمع وقطاع الصناعة والتجارة والزراعة، كما لا يغفل البحث العلمي البحوث الأساسية في مجالات التخصص المختلفة. وتعد مشاركة أعضاء هيئة التدريس في المؤتمرات العالمية المتخصصة وتقديم أبحاث ذات مضمون علمي متميز والنشر في مجلات علمية متخصصة أحد أهم المعايير التي يقترن تميز الجامعة وارتفاع سمعتها العلمية بها. إضافة إلى ذلك تعد المجلات العلمية التي تصدرها كليات الجامعة والجمعيات العلمية التي تحتوي على أبحاث محكمة في مجالات التخصص المختلفة دليلا واضحا على اهتمام الجامعة بالبحث العلمي وأهميته بالنسبة لها ومنه تحصل على تصنيف متقدم بين الجامعات. أما دور الجامعة في خدمة المجتمع فيظهر واضحا وجليا بالدرجة الأولى عن طريق تخريج أعداد من الطلاب في تخصصات يحتاجها المجتمع وهامة لسوق العمل، وكلما كان خريج الجامعة متميزا في أدائه لعمله كانت خدمة الجامعة للمجتمع تحظى بالتقدير والإعجاب من لدن أفراد المجتمع. الجامعة يمكن أن تساهم في التطوير للعاملين في القطاع الحكومي والخاص بتقديم ندوات ومؤتمرات وورش عمل ودورات عملية وتخصصية تهدف إلى تقديم ما استجد من علوم وتقنيات لرفع مستوى أفراد المجتمع وتطوير الأداء الوظيفي. هذا بالإضافة إلى ما يقدمه عضو هيئة التدريس من خدمات استشارية لجهات حكومية وأهلية في النواحي الإدارية والاقتصادية والهندسية والطبية وغيرها.

هذه المهام الثلاث يجب أن تقوم بها الجامعة على نحو متكامل مع ضرورة المحافظة على التوازن بينها بحيث لا يطغى أحدها على حساب المهام الأخرى. بعض الجامعات في السنوات الأخيرة أخذت تتحدث عن البحث العلمي، وأنه أهم من التدريس، فالجامعة تقوم كما سبق بتميزها البحثي، ولذا لا بد من التركيز عليه وربما على حساب التدريس، لأن التدريس ليس معيارا في تصنيف الجامعة، وهذا صحيح من جهة لكنه خطأ من جهة أخرى، فالتدريس هام جدا ويجب أن يعطى حقه والتأكد من أن مستوى الطالب عند التخرج يضاهي ما تقدمه الجامعات العالمية من مستوى للطالب، هذه مسؤولية تجاه المجتمع، وقد تفوق أهمية البحث العلمي، فعندما تغفل الجامعات الطلاب وينصرف أعضاء هيئة التدريس إلى البحث العلمي والنشر في المجلات والمؤتمرات فإن النتيجة معروفة مستوى هزيل ومعلومات قاصرة ونقص في الأداء لخريج الجامعة، نحن في جامعات المملكة لا يمكن أن نقلل من أهمية التدريس، هذا في نظري خطأ إستراتيجي ينعكس سلبا على الجميع ولن تؤدي الجامعات بذلك الدور المطلوب في تنمية القوى البشرية وتأهيلها وقد يؤدي ذلك إلى انصراف القطاع الخاص وربما الحكومي عن توظيف الخريجين من الجامعات لضعف المستوى وتتجه إلى التعاقد من الخارج وهذه كارثة وجرم في حق أبناء المملكة عندما يجدون أنفسهم خارج نطاق التوظيف لقصور معلوماتهم وكفاءاتهم المتدنية. لن يغفر المجتمع لنا أن تقول: إن الاهتمام انصب على البحث العلمي وها هي جامعاتنا تحتل مراكز متقدمة من بين جامعات العالم، إذا كان التصنيف مهما فإن الاعتناء بالطالب وتأهيله علميا ومهنيا لا يقل أهمية بل ربما زاد عليه.

يجب الاهتمام بالتدريس وتطوير الخطط الدراسية والارتقاء بمستواها لتماثل ما تقدم جامعات العالم لطلابها أو أكثر. يجب ألاننسى بأن الصناعة لدينا ليست بقوة ومكانة الصناعة في الدول المتقدمة حيث يتم تدريب خريج الجامعة عندما ينضم للعمل في إحدى الشركات الصناعية والإدارية على نوع العمل المطلوب، أما في شركاتنا ومؤسساتنا وإن كانت صناعية فإن مستوى التدريب منخفض، وفي بعض الأحياء معدوم ويعتمد خريج الجامعة الذي جاء حديثا للشركة على نفسه في تأهيلها وإلا بدأ يمارس عملا مختلفا عن طبيعة دراسته، كأن يقوم بعمل إداري بدلا من ممارسة مهنة الهندسة مثلا. من هنا تبرز أهمية التدريس وبالذات في جامعاتنا، لابد أن تكون الخطط الدراسية قوية ولابد من توفر الكتاب ووسائل التعليم الحديثة المختلفة والتأكيد على دور عضو هيئة التدريس في إيصال المعلومات إلى الطالب ولابد من تكثيف المقررات التي تحتوي على تجارب معملية أو حقلية، كما أن التدريب لدى الصناعة خلال الصيف وتفريغ الطلاب لفصل دراسي على الأقل لهذا الغرض أمر في غاية الأهمية بل إن متابعة الطالب بعد تخرجه والتأكد من نوعية العمل الذي يمارسه ورأي جهات العمل عن مستواه وتأهيله يعد من مسؤوليات الجامعة. ربما يقارن بعضهم بين ما هو موجود في جامعاتنا وبعض الجامعات العالمية ويرى الاختلاف بينهما، ويعد ذلك قصورا في أداء جامعاتنا وخاصة عندما تكون المقارنة محصورة بالبحث العلمي والتمويل، ويرى ذلك نقصا في مستوى جامعاتنا، وهذا قد يكون صحيحا من هذه الزاوية الضيقة، ولكن من العدل أن نقول: إن المقارنة ليست موضوعية فقد قارن جامعات تهتم بالدراسات العليا والبحث العلمي في تلك الدول بجامعاتنا ونسي أن في هذه الدول توجد جامعات تركز على التدريس إلى جانب البحث العلمي ودورها في تأهيل الخريج أكثر من دور الجامعات البحثية. فمثلا يقارن بعضهم بين جامعاتنا وجامعات عالمية مثل جامعة M.I.T وجامعة Chicago وغيرها من الجامعات التي يشكل طلاب الدراسات العليا نسبة عالية قد تفوق طلاب مرحلة البكالوريوس ويرون أن الجامعات في المملكة سيرتفع مستواها كلما اقتربت من هذه الجامعات، لكن يغيب عنهم أن هناك عشرات بل ربما مئات الجامعات في أمريكا على سبيل المثال تهتم بطلاب المرحلة الجامعية، وتركز على الاهتمام بمستواهم وتأهيلهم للعمل لدى الشركات والمؤسسات وبالطبع مع إعطاء البحث العلمي أهميته، أما الجامعات التي تهتم بالبحث العلمي فإن خريجيها يعملون ولكن في الجامعات مراكز البحوث. نحن في المملكة نرى أن تأهيل الخريج في التخصصات المختلفة مهم لسد حاجة الصناعة وإحلال المواطنين محل الوافدين، لكننا أيضا يهمنا البحث العلمي وتأهيل نسبة معينة من الخريجين المتميزين للعمل لدى الجامعات أعضاء هيئة تدريس، ولعل في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ما يحقق الهدف من تأهيل الخريجين لينضموا إلى مراكز البحوث مثل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية والجامعات. أما باقي الجامعات فأعتقد أن الاهتمام بطلاب المرحلة الجامعية أمر في غاية الأهمية وضرورة قصوى، وليس من الضروري أن تحذو كل جامعاتنا حذو جامعة الملك عبدالله لأن الأخيرة لها دور تلعبه في تطوير المهارات البحثية. هذا بالطبع لا يعني إغفال البحث العلمي أو التقليل من أهميته في جامعاتنا ولكنني أؤكد على ضرورة التوازن بين البحث العلمي والتدريس بهذا نكون قد حققنا الريادة العلمية التي نصبو إليها وفي ذات الوقت أهلنا خريجينا التأهيل المطلوب للقيام بدور فاعل في التنمية بعد التخرج. والله من وراء المقصد




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد