كيف تجعل الجمعيات الخيرية تصرف على أنشطتها المختلفة دون الحاجة إلى المعونات التقليدية؟
هذا هو التحدي الحقيقي للعاملين في مجال جمعيات البر الخيرية وما يماثلها من لجان ومراكز ومكاتب خيرية.
كثير من رجال الأعمال والموسرين في هذه البلاد يقولون إلى متى ونحن نتبرع لجمعيات خيرية مختلفة في المملكة، ونجد في الأيام التالية أن هذه الملايين ذهبت إلى مستفيدين على شكل إعانات مالية ومواد غذائية وبطانيات ودفايات وفروة فاخرة، ثم يأتي العام الذي يليه وتتوالى خطابات الجمعيات الاستجدائية إلى ذات الموسرين وتدور العجلة الخيرية معتمدة على إعانات الدولة من جهة وإعانات الخيرين من جهة أخرى، وهكذا نحن أمام عجلة تدور بكل تأكيد ولكنها عرضة للتوقف في أي وقت.
اليوم سأحدثكم عن تجربة عايشتها بنفسي، تجربة مختلفة تماماً عن المألوف، ولا أخفيكم أنني ترددت كثيراً قبل عرضها لسببين الأول أن صاحب التجربة لا يريد أن يتحدث عنه أحد بعداً عن النفاق والرياء، لذلك كتبتها دون علمه وإن كنت أحتاج لبعض الأرقام والإحصاءات منه، ولكني أعلم مسبقاً بموقفه من الكتابة عن شخصه ففضلت الخيار الذي أملته علي نفسي التي ستحاسب على ما تلفظه من قول، والسبب الثاني أن الناس هنا تسيء الظن دائماً ويسألون دائماً لماذا يمدح فلان ؟ ويفترضون أن ثمة مصلحة، وهذا الظن يرتبط غالباً بمن يشتهر بكرمه وبأعماله الخيرية مثل شيخنا الذي سأحدثكم عن تجربته أكثر من الحديث عن مواقفه الشخصية وأعماله الخيرية الخاصة به.
حينما تسلم شيخنا مهام جمعية البر الخيرية كانت الطرق السائدة آنذاك تسير بطريقة تقليدية أي سلم واستلم، فالمبالغ التي تصل للجمعية تصرف في حينها ولا يمدح السوق إلا من ربح فيه كما يقولون ولكم أن تتخيلوا سمعة الجمعيات من هذا المنطلق، وكانت الجمعية مثلها مثل الأكثرية المماثلة في المملكة، وهذا بلا شك قد يوقع الجمعيات في فخ الديون المتراكمة وعجز الميزانيات المتكرر وهذا ما حدث فعلاً، فكان التحدي أمام شيخنا هو التفكير في موارد دائمة تحمي الجمعية من مغبة الاعتماد على الإعانات السنوية والتي لا تفي - عادة - بالغرض، فبدأت الرحلة التي أثمرت فيما بعد عن ملايين الريالات موارد دائمة للجمعية، فتحققت الأهداف المتوالية بجهود أقل ما يقال عنها أنها شخصية من هذا الشيخ الجليل الذي لم تثنه إعاقته (إثر حادث سير) عن السير دون كلل نحو تحقيق ما يصبو إليه، وكان يدير أعماله الخيرية من منزله وبنفسه رغم وجود المئات من الشباب المخلص الذين وفر لهم فرص عمل بمشاريعه المتنوعة، وكانت الخطوة الثانية افتتاح جمعيات بر خيرية تعنى بالأسرة وبالشباب (كفالة الأيتام، جمعية الزواج، ومكافحة التدخين وغيرها)، إضافة إلى افتتاح جمعيات في القرى المجاورة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل فكر في كيفية تدريب هؤلاء الشباب على الأعمال الخيرية بطريقة منظمة فاستعان بإحدى مؤسسات التدريب لتقوم بتدريب الشباب على فن العمل الخيري، ولكم أن تتخيلوا المخرجات، وما فعله الشيخ صالح بن منديل التويجري (رئيس محكمة رفحاء العامة ورئيس جمعية تحفيظ القرآن الكريم) وهو شيخي المقصود ما فعله يتعدى ما قلته بكثير، لستم بحاجة إلى أرقام ومبالغ قد تزعجكم للتدليل على براعة هذا الرجل الفاضل في إيراد مبالغ كبيرة لجمعيات كانت تعاني من الديون في مرحلة من مراحلها، ولن أضيف جديداً إذا قلت أن عشرات الشباب والفتيات وجدوا ضالتهم في مشاريع وبرامج تلبي احتياجاتهم الاقتصادية والفكرية، وعشرات الفقراء وجدوا منازل تؤويهم بدلاً من إراقة ماء الوجه من أجل فروة أو بطانية، الشيخ صالح حفظ ماء الوجوه للفقراء وخصص لهم أرصدة لا يحتاجون معها الوقوف في طوابير لا تنتهي، بالطبع أنا وعدتكم أنني لن أتحدث عن الجانب الشخصي للشيخ لأنه لا يعنيكم مع يقيني أنه لا يقل أهمية عن تجربته في العمل الخيري، يكفي أن الشيخ منظم ورجل خير بمعنى الكلمة، ومتفان ٍ في العمل، يذكر لأحد مقربيه أنه تذكر أولاده في غمرة انشغاله بالأعمال الخيرية وقرر أن يرافقهم في رحلة المراهقة التي طرقت أبوابهم مستشعراً أنه من غير المعقول أن يكون دائم التواجد في منزله دون أن يراه أولاده!
بقي أن أقول إن الشيخ الجليل قد غادر جمعية البر بعد أن أرسى منهجاً رائعاً يجب الاستفادة منه، وترك خلفه جمعيات قوية تصرف على نفسها دون أن تتوقف على معونات الخيرين، وتفرغ الآن لخدمة القرآن الكريم عبر جمعية تحفيظ القرآن الكريم والتي خرجت عشرات الحفظة من الشباب والفتيات.
ولكن توقعوا ما هي المكافأة التي كافأه بها بعض المحسوبين على أهالي محافظته؟
لن أعلق على هذا الجانب المظلم أدخلوا منتديات المحافظة الإلكترونية وسترون أن ثمة أناس إذا أعطوا شكروا وإذا لم يعطوا...
Mk4004@hotmail.com