عندما أفكر أن هناك أناساً يتسارعون لصيانة صنابير الماء فور عطبها ليس حباً في ترشيد المياه بقدر ما هو حب في ترشيد الفواتير استعجب مستبماً على تلك العقول المقدرة للمال والمهملة لنعمة الله!! وعندما أفكر بمن يتسارعون لصيانة منازلهم عند حدوث عطل كهربائي وتغلق الغرف أو بعض الأماكن لتتم الصيانة أتوقف مفكراً على هذا الحرص البشري في العجلة بالصيانة وعدم ترك الأمور كما هي خشية من تفحل العطل أو العطب وحدوث ما لا يحمد عقباه، وعندما أتأمل حين يهرول الشخص لترقيع الجروح الجدارية في منزله حباً للتجديد، وعشقاً للتحديث، وولهاً للتطوير، وحرصاً على التغيير والظهور بمظهر جميل وصامد رغم قسوة الشروخ، وتفاقم الصدع يشتد تبسمي لأنه مهما اهتممنا بهذه الشروخ لا تلتئم، فما أن تزول تلك القشرة التي تغطيها من جراء الصيانة إلا وتظهر مرة أخرى مكشرة عن أسنانها، والمسألة هي مسألة الوقت فكلما كانت الصيانة أجود كانت العودة للتصدع أبعد وكلما كانت الصيانة هشة كان الصدع قريباً.
كم أوقفنا أو علقنا استخدام بعض الأشياء بسبب أنها تحت الصيانة، أو أنها في يد الإصلاح، وننتظر وينتظر من حولنا حدوث النتائج، وتحقيق الإصلاح، والبدء في استمرارها بثوب جديد.. تمعنوا في محال تغلق للصيانة أو تصميم ديكور جديد لكي تبدأ نشاطها التجاري بأسلوب جذب جديد.. تأملوا الطرق وصيانتها.. هذي هي حالنا مع همّ الصيانة في واقعنا الذي نعيشه سواء في منازلنا أو مواقع أعمالنا أو دروبنا أو أشيائنا. هي الصيانة دوماً نحتاجها في حياتنا ونحرص عليها أياً كانت نياتنا أو عزائمنا أو رغبتنا أو مقاصدنا.. نحرص عليها في كل ما حولنا إلا في داخلنا الذي امتلأ بكثير مما يستحق الصيانة والتوقف والتغيير.
قد يحدث أن جراحنا الجسدية تلتئم في صمت ووداعة سواء قمنا ببعض من الاهتمام بها أو إهمالها. ورغم ذلك نقدر الجدار وتصدعه، ولا نقدر الجسد وتشققه؟! ويظل سؤال معلق على هامش التفكير الضاحك.. لماذا لا نهتم بإدخال أرواحنا إلى أقرب ورشة صيانة إسلامية إيمانية، بعقلانية حقيقية، وتجرد واعٍ لتقويم، وترميم، وإصلاح ما عطب، وتغير ما فسد من أخلاقنا، وتعاملتنا، وتصرفاتنا، وسلوكياتنا تجاه الآخرين، وتعدل ما هو سلبي في أحاديثنا، أو في بعض أفعالنا وتطوير بعض ما لدينا من إيجابيات.. لماذا لا نعلق لوحة على جبيننا لوقت معين من حين إلى حين؟ ونكتب عليها (مغلق للصيانة) وعندها نستجمع أفكارنا النقية، ونلمّ مشاعرنا الحية بعدها نراجع حساباتنا، فتداوي جراحنا، ونحصي أخطاءنا فنصححها، ونجدد ثقتنا في كثير من الأمور التي فقدنا الثقة فيها، ونعدل أوضاعنا التي تعززنا بصحتها وهي خاطئة، ونستمر على ما هو خير وسوي وحسن، وننظر في وقفاتنا ومواقفنا في أمور كثيرة، وتجاربنا، وآرائنا، وأفكارنا فنصلح ما عاب منها، ونعزز ونثبت على ما صلح منها حينها وخلال هذا الإغلاق للصيانة سنجد الكثير من الأمور التي ستتغير، وسنشعر أننا استيقظنا من منام كنا فيه، وأن شخصاً مختلفاً داخلنا ولد ونضج.. هكذا الحياة تكون مع الصيانة لا بد من توقفنا لوقت قصير للمراجعة والتأكد ولتفعل الصيانة فعلها الحقيقي داخلنا ولنثق أنه كلما كانت الصيانة تستمد أدواتها من إيماننا بالله عز وجل ثم من تعاليم ديننا وبعدها من أعرافنا الاجتماعية الكريمة كانت تلك الصيانة أنجح وأجمل وأقرب وأريح في تجارة النفس.. والله المستعان.
Azizz22@hotmail.com