تخطو دول مجلس التعاون الخليجي خطواتها الأولى في عالم التكنولوجيا والعلوم المتقدمة؛ حيث قامت بوضع العديد من الخطط والاستراتيجيات لخوض هذا المجال، خاصة أن دول الخليج تجد نفسها مضطرة لتسريع خطاها ومبادراتها تجاه المشاريع التكنولوجية لتتمكن من اللحاق بركب التقدم والرقي، ولتتمكن من الدخول في خضم المنافسة العالمية كاقتصاد قوي ومؤثر. ولقد قامت بالفعل ببعض المبادرات التكنولوجية في مختلف المجالات الاقتصادية، التي من أهمها:
تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، قطاع البنوك والعقارات، التعليم الإلكتروني، التجارة الإلكترونية، تنمية الموارد البشرية، القطاع الخدمي، الصناعات التحويلية، الشبكات اللاسلكية، الطيران.. وغيرها الكثير من المجالات التي اهتمت بها دول مجلس التعاون الخليجي، وسعت لإدخال أحدث سبل التكنولوجيا عليها؛ من أجل تحقيق التقدم والتنمية الاقتصادية والنمو الشامل؛ ليصبح اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي من أقوى الاقتصاديات العالمية.
وسيتم فيما يلي عرض تفصيلي لبعض هذه المجالات التي قامت دول مجلس التعاون الخليجي بإدخال أحدث سبل التكنولوجيا عليها، وأثبتت بالفعل تقدماً ملحوظاً فيها.
أولاً: تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
تشهد دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الراهن نمواً ملحوظاً في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كما تقوم الحكومات والشركات بالاستثمار الكثيف في التجهيزات الشبكية ذات الجودة العالية والبنى التحتية لهذا القطاع، حيث يعد هذا المجال من المجالات الأساسية التي تمثل حافزاً قوياً لتحقيق التقدم التكنولوجي في العديد من المجالات الاقتصادية، حيث يسهم مجال الاتصالات والمعلومات في تنوع مصادر الدخل، والتقليل من الاعتماد على الإيرادات النفطية كمصدر رئيسي للإيرادات العامة للدولة. وتنمية القوى العاملة في مثل هذه المجالات التي تحتاج إلى قدرات فنية وكفاءة عالية، وجذب الاستثمارات العربية والأجنبية، وتعزيز قدرة الدولة على الإدارة الحكيمة.. وغيرها من المزايا التي تعود على الاقتصاد الخليجي بالإيجاب من جراء الاهتمام بهذا المجال التكنولوجي.
وتؤكد المصادر المختصة أن استثمارات دول الخليج في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بلغت حوالي 5 مليارات دولار عام 2007 وهي نسبة لا يستهان بها، مع التوقعات بارتفاع هذه النسبة في السنوات المقبلة.
ثانياً: قطاع البنوك والعقارات
ساهم دخول التكنولوجيا والتقنية المتقدمة في رفع كفاءة العديد من القطاعات التي من أهمها القطاع المصرفي الذي أصبح يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا، هذا بالإضافة إلى الطفرة التي شهدتها دول الخليج في مجال العقارات، حيث أصبح الاعتماد بشكل كبير على الخدمات التكنولوجية الخاصة بإدارة وتشغيل وصيانة المباني بنسبة لا تقل عن 25% سنوياً.
ثالثاً: التعليم الإلكتروني:
حقق التطور التكنولوجي في مجال التعليم تقدماً ملحوظاً في دول الخليج العربي في الفترة الأخيرة، وخاصة بعد طرح شركات عالمية متخصصة في مجال العلوم والتكنولوجيا حلولاً علمية في هذا المجال الحيوي، وبفضل هذه التقنيات الحديثة استطاعت المدارس أن تطبق التعليم التكنولوجي في بيئة أكاديمية متطورة تمكن المعلمين من استخدام التكنولوجيا لتحسين وإثراء عروضهم الإيضاحية والتحكم بشكل أفضل في العملية التعليمية، كما تم تحويل مناهج التعليم إلى مناهج إلكترونية بالتعاون مع شركات متخصصة في مجال التقنيات التربوية، كل ذلك من أجل تطوير مخرجات العملية التعليمية، ورفع مستوى الأداء التعليمي.
رابعاً: التجارة الإلكترونية
تقر العديد من الجهات المسؤولة أن الفرص سانحة أمام أسواق المنطقة العربية لتعزيز تطبيقات التجارة الإلكترونية، التي يتوقع لها أن تحقق معدلات نمو غير مسبوقة؛ نظراً إلى سعي كافة حكومات المنطقة لمواكبة أحدث سبل التكنولوجيا الحديثة، ولكن لا يمكن تحقيق انطلاقة حقيقية في هذا المجال لو لم تقم دول الخليج بوضع الأسس السليمة لمعالجة التحديات التي من أهمها حماية البيانات لكل من المستخدمين والعملاء، سن القوانين لتنظيم الإجراءات الخاصة بالضرائب، الجمارك، الاستثمار، حقوق الملكية الفكرية للتبادل الإلكتروني ...إلخ، وكل ذلك بالطبع يتطلب العمل الجماعي والتنسيق المشترك والمشاركة الحقيقية والفعالة للقطاع الخاص. ولقد توقعت الدراسات الحديثة أن قطاع التجارة الإلكترونية في دول مجلس التعاون الخليجي ولاسيما التسوق عبر الإنترنت يحقق معدلات نمو متزايدة وسوف يزداد أكثر خلال السنوات القليلة المقبلة لتتجاوز قيمته عام 2008 حوالي مليار دولار، وتتصدر السعودية والإمارات هذا المجال، كما أشارت الدراسة إلى توقع زيادة معدلات التجارة الإلكترونية في الكويت بنحو 30%، وكذلك قطر يتوقع أن تحقق معدلات نمو متزايدة في هذا المجال تقدر بحوالي 25% نظراً للمجهودات المتزايدة من قبل الحكومات لتطوير ذلك المجال وإدخال أحدث السبل التكنولوجية عليه.
خامساً: تنمية الموارد البشرية
تسعى دول الخليج العربي لتنمية الموارد البشرية وتمنحها كل الاهتمام؛ لكون العنصر البشري هو الأساس لنجاح أي منظمة؛ لذا بدأت هذه الدول في الاتجاه لتحويل الاقتصاد الخليجي من اقتصاد طاقة إلى اقتصاد معرفة، فلقد أصبحت المنظمات تنظر للعنصر البشري على أنه هو مصدر القوة وحجر الزاوية في الاقتصاد، لما له من تأثير جوهري على الحياة الاقتصادية، وخاصة بعد إدخال سبل التكنولوجيا والتقدم العلمي لتنمية وتطوير العقول البشرية.
سادساً: القطاع الخدمي
ظهر التفوق التكنولوجي لدول الخليج العربي بشكل واضح في القطاع الخدمي، حيث أدخلت التكنولوجيا في العديد من الخدمات وخاصة المقدمة من الجهات الاقتصادية، مثل: تجديد الرخص التجارية، عضوية غرفة التجارة.. بالإضافة إلى خدمات مقدمة من الجهات الخاصة بالسياحة، مثل: تصاريح بناء الفنادق، الحجز في الفنادق من قبل الزائرين والسياح.. إضافة إلى خدمات الماء والكهرباء وسداد الرسوم، سداد مخالفات المرور.. والعديد من الخدمات الأخرى التي تقدمها الجمارك، الصحة، المحاكم.. حيث يحصل العميل على مواقع هذه الجهات على الإنترنت، ومنها يحصل على جميع الخدمات التي تقدمها كافة الجهات الخدمية. وتضع الحكومات خططاً بهدف تدريب وتأهيل مجتمع المال والأعمال على كيفية الحصول على الخدمات الإلكترونية للارتقاء بشأن هذا القطاع والعمل على تقدمه.
سابعاً: صناعة المواد البتروكيماوية
لقد أعطت دول مجلس التعاون الخليجي اهتماماً كبيراً لقطاع الصناعات التحويلية خلال العقدين الماضيين، وخاصة الصناعات التحويلية التي تعتمد في إنتاجها على المواد الأولية المتوافرة في المنطقة العربية وأهمها النفط والغاز الطبيعي. وتعد صناعة المواد البتروكيماوية من أهم الصناعات التحويلية في دول الخليج العربي، حيث تحتل المرتبة الأولى في الأهمية بالنسبة للناتج الصناعي بشكل عام، وتتراوح نسبتها ما بين (50 و70%) من إجمالي الناتج الصناعي، ولأن هذه الصناعات التحويلية تحتاج إلى تكنولوجيا عالية وبنية أساسية متطورة بالإضافة إلى كونها من الصناعات التي تعتمد على الفن الإنتاجي كثيف رأس المال، فقد أولت لها هذه الدول اهتماماً كبيراً، خاصة بعد ارتفاع أسعار النفط، بهدف التنويع في مصادر الدخل، واستغلال الميزة النسبية التي تمتلكها في هذا المجال؛ لذا سارعت في إدخال سبل التكنولوجيا المتقدمة على هذا المجال لتحقيق العديد من المزايا الاقتصادية ولتكوين اقتصاد قوي ومتنوع.
ثامناً: القطاع الصحي
قامت مؤسسة (الرخصة الدولية لقيادة الكمبيوتر لمجلس التعاون الخليجي) بتشجيع قطاع الصحة في المنطقة العربية على تبني مبادرات جديدة من شأنها رفع كفاءة الكوادر الطبية في مجال تكنولوجيا المعلومات ومهارات استخدام الحاسب، وتشير الأبحاث إلى انضمام حوالي 600 ألف موظف عامل في إدارة الخدمات الصحية الوطنية خلال السنوات الست الماضية؛ للحصول على شهادة الرخصة الدولية لقيادة الكمبيوتر؛ بهدف الارتقاء بمستوى القطاع الصحي وتوفير الخدمات الصحية بصورة متقدمة وعلى أعلى مستوى من الجودة.
فقد قامت دول مجلس التعاون الخليجي بتطوير وتنمية كل هذه القطاعات وغيرها الكثير من القطاعات الأخرى في مختلف المجالات، ومن ثم يمكن القول إن هذه الدول وإن كانت في أول مراحلها نحو تطبيق سبل التكنولوجيا الحديثة، إلا أنها أثبتت نجاحاً ملحوظاً وتفوقاً كبيراً في استخدام سبل التكنولوجيا والتقدم العلمي للارتقاء بشأن الاقتصاد الخليجي، ليصبح من أهم الاقتصاديات العربية القادرة على المنافسة القوية وسط الاقتصاديات العالمية بشكل عام، والاقتصاديات العربية بصفة خاصة، فالفرصة مازالت سانحة أمام دول الخليج العربي لتكوين اقتصاد قوي ومتنوع يستطيع الصمود في وجه التحديات والتغيرات العربية والعالمية.
e-mail:asa5533@hotmail.com