أحمد الله عز وجل القائل في محكم آيات كتابه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}سورة الحجرات (13)، ولأنه هو العليم الخبير بما خلق شرع لنا النكاح (الزواج) لتعمر الأرض بالخلق؛ لتكون سنة الله في خلقه وأرضه، ولحاجة الخلق الدائمة للهداية والإرشاد أرسل الأنبياء والرسل مبشرين ومنذرين، وكان محمد صلى الله عليه وسلم الرسول النبي الخاتم الذي بعثه الله بالحق مبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أكمل به الشرع والدين، جاء الإسلام ليكون هو الدين الخالص لله عز وجل، بعد أن عبث اليهود بالإنجيل بعد التوراة ليضلوا عن سبيل الله بغيا بينهم.
والإسلام هو التسليم لله عز وجل عن رضا، أو أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك، {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}(سورة آل عمران 19) وقد {وَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (سورة البقرة 132)، ويقول الحق تبارك وتعالى في وصفه لدين الإسلام {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (سورة يوسف 40)، ويقول: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (سورة آل عمران 85).
ومن ضمن ما شرعه الدين الحنيف تعدد الزوجات، والتعدد ليس مطلقاً، ولكن له شروط، بعضها أوردها القرآن بصريح النص والآخر شرحته السنة النبوية المطهرة إما عملياً بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم أو نظرياً كما ورد في كتب الحديث المعروفة ولا يخالف ما ورد بكتاب الله من نص.
خلق الإنسان وفي نفسه الحاجة للإنس برفقة، فهو كما يقول المحدثون مدني بطبعه، اجتماعي يحب أن يعيش في جماعة، وخير الجماعات ما وظف لتحقيق شرع الله وخدمة دينه وهي الأسرة. وتتكون الأسرة من زوج وزوجة وأبناء وبنات، فإذا ما تزوج المرء أو المرأة ولم يوفق في زواجه هل يكون حكم الله عليه أن يظل بلا زواج حتى يلقى الله عز وجل كما تقول بذلك الديانات الأخرى؟ وهل إذا ما تزوج الرجل بعاقر هل يكون حكم الدين عليه أن يظل بغير إنجاب إلى أن ينقطع نسله من الدنيا بوفاته؟ وهل إذا ما فَقَد الزوج زوجته بوفاة أو انقطاع هل من العدل أن يظل بغير زوجة حتى يلقاها؟ وهل إذا مرضت الزوجة مرضاً يعوقها عن الوفاء بحق الزوج فهل يبقى الزوج رهينة أم يلجأ إلى الحرام؟ إنه ظلم بَيّن، وفي ذلك يقول الحكم العدل: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (سورة فصلت 46).
قال تعالى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} (سورة النساء 3).
لقد شرع الله تعدد الزوجات لحل ما يعترض سير الجماعة أو الأسرة من عقبات ومشاكل، وحفظ للزوجة الأولى كافة حقوقها، لتبقى في بيتها معززة مكرمة على رؤوس الجميع، فإذا كان هناك غير ذلك فالعيب ليس في الشرع بل فيمن لا يعرفون تطبيقه أو يعرفون وينكرون لعلة في أنفسهم، وبذلك يكون هناك فرصة للشرع للحكم بين المتظالمين أو المتخاصمين من الأزواج والزوجات، أما الزواج لمجرد البطر بنعمة الله فهو مذموم مكروه، والويل كل الويل لمن كان زواجه كذلك، فإذا سمعت من يشكو من زوجته فقل له تحرى العيب في نفسك أولاً؛ فإن الله عز وجل يقول: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} (سورة النور 26).
قال تعالى: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (سورة النساء 129).
ويحض الإسلام على حسن اختيار الزوجة من البداية، وتقوم أسرة كل من طالب الزواج وأسرة المطلوبة للزواج بدور في هذا عن طريق التعارف، وبعد أن يتم التوافق بين الطرفين تتم الرؤية الشرعية حيث يرى العريس عروسه دون خلوة، فإذا وجد كل منهما في نفسه القبول للآخر تمت مراسم الزواج بالعقد الشرعي والإعلان.
فالحمد لله الذي شرع لنا ما يحقق العدل في العلاقات الزوجية والأسرية.
يقول تبارك وتعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (سورة الكهف 46) فلا تكتمل زينة الحياة الدنيا بالمال وحده وإن تقدم عن البنين كما ورد في القرآن، بل تكتمل زينتها بالمال والبنين معاً.
منذ ما يقرب من ثلاثين عاما كنت في دورة دراسية طويلة خارج المملكة، سألني أحد الأساتذة وكان على غير دين الإسلام قائلا: هل المسلمون حقاً يتزوجون بالعديد من النساء للاستمتاع بهن؟ ولم أستغرب السؤال فهذه شبهة يثيرها دوماً أهل الضلال في مواجهة الإسلام، وشرحت لماذا أحل الله تعدد الزوجات في الإسلام وأن هدف الزواج في الإسلام هو تكوين أسرة تسعد بحياتها لكي تستطيع أن تؤدي حق الله في شكر نعمته، واستأذنته في الانصراف وتركته في دوامة الفكر والمقارنة بين دينه وديني. وفي اليوم التالي فوجئت بنفس المعلم يطلبني لمقابلة مدير المدرسة، وهو الرجل الأول في هذه المؤسسة التعليمية، وذهبت لمقابلته وكان في العقد الخامس، طلب مني الجلوس، وبعد برهة وجه لي نفس السؤال، فسألته: هل أنت متزوج؟ قال: نعم، فقلت له: كم لديك من الأبناء؟ فطأطأ رأسه هنيهة وأجاب بالنفي، فعاودته سؤاله: هل سبب عدم الإنجاب يرجع إليك؟ قال: لا بل من الزوجة، وشعرت براحة في نفسي بهذه الإجابة وأعقبت ذلك بسؤال آخر، هل لديك أموال أو عقارات، قال: لدي الكثير والكثير من الأموال والعقارات وهذه المؤسسة التعليمية التي تنتشر فروعها في دول أوروبا وأمريكا، فسألته: ألا تتمنى أن يكون لك بنين وبنات يخلفون ويرثون ما سوف تتركه من أموال في مثل حالتك؟ فأجاب بأنها أمنيته، فقلت هذا هو أحد أسباب حكمة تعدد الزوجات في الإسلام. وأضفت: لو كنت مسلماً لطلبت من زوجتك الموافقة على الزواج بأخرى فتكون بذلك قد أسدت إليك معروفاً تقدرها بسببه، وفي هذه الحالة فأنت مطالب بالحفاظ على حقوقها كزوجة أولى واحترامها والعدل بين الزوجتين الأولى والثانية، وبذلك تتحقق لك أمنيتك التي طال انتظارها وأنت في العقد الخامس من العمر. فرأيت على وجهه ابتسامة عريضة؛ فهو يتمنى في قرارة نفسه أن يكون من المسلمين وإن كان لتحقيق هذا الحلم الذي يراوده منذ سنين.
فانظر أخي المسلم كم من نعمة أنعم الله عليك بها إن صنتها وأحسنت استعمالها فهي لك وفي موازين حسناتك يوم القيامة، وإن أسأت فعلى الباغي تدور الدوائر.
alkatbz@hotmail.com