هناك علاقة طردية بين معدلات نجاح مواسم الحج وتطبيق الأنظمة والقوانين. أثبتت التجارب العملية أن المواسم الناجحة عادة ما تُبنى على قاعدة صلبة من الخطط الشاملة التي تعتمد في مكوناتها الأساسية على الأنظمة الصارمة التي يهدف من خلالها حماية الحجاج، وإعانتهم على أداء نسكهم بيسر وأمان. التشدد في تطبيق الأنظمة الشاملة قاد بفضل الله إلى نجاح حج هذا العام بمعدلات مرتفعة.
تنظيم حملات الحج الداخلية، وإلزام حجاج الداخل بالحصول على تصريح الحج هو جزء من النظام الشامل الذي وضعه ولي الأمر لضمان سلامة الحجاج وتمكينهم من أداء نسكهم اعتمادا على طاقة المشاعر الاستيعابية، وهو النظام الذي أثبت فاعلية كبيرة هذا العام.
سمو وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز، وفي جولته التفقدية للمشاعر المقدسة تحدث عن المغالاة في أسعار بعض حملات الحج، وهي مغالاة يٌعتقد أنها تجاوزت الحدود المعقولة هذا العام. سمو أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، شدد على تطبيق النظام بحزم، وأوضح أنه لن يسمح بمن لا يحمل تصريح الحج بدخول المشاعر المقدسة، تفاديا لظاهرة الافتراش التي باتت تهدد سلامة الحجاج وأمن المشاعر.
لا يمكن أن نفصل بين حديث الأمير نايف بن عبدالعزيز عن المغالاة في الأسعار، وتأكيد الأمير خالد الفيصل على وجوب تطبيق نظام تصريح الحج بحزم على الجميع. المعروف أن من متطلبات استخراج تصاريح الحج التسجيل في الحملات المعتمدة داخليا وعلى هذا الأساس يكون هناك ارتباط وثيق بين أسعار الحملات والتصاريح الرسمية. هذا الارتباط ساعد في ظهور بعض السلبيات ومنها زيادة عدد المخالفين لأنظمة الحج، وزيادة عمليات تهريب الحجاج، واستغلال بعض الحملات لنظام التصريح في ترويج عمليات التسجيل الصوري مقابل مبالغ محددة، أو بيع التراخيص في السوق السوداء. هذه السلبيات تتحملها كثير من حملات الحج التي باتت تتنافس في تقديم الرفاهية على حساب الشعيرة، وأصبحت تركز على الربحية بمعزل عن المسؤولية الدينية، والوطنية.
الدولة -رعاها الله- تضمن مجانية الخدمات وتنفق بسخاء على مواسم الحج. حملات الحج، المعفاة من الرسوم، مستفيدة من مجانية الخدمات وتصر في الوقت نفسه على رفع الأسعار، والتسبب في دفع حجاج الداخل إلى خرق الأنظمة والقوانين. لا يمكن أن نختزل أسباب مخالفة النظام بالتكلفة، إلا أنها تبقى أحد الأسباب الرئيسة التي لا يمكن تجاهلها.
الأنظمة الصارمة تحتاج إلى الدعم والمساندة وتهيئة البيئة المحيطة لضمان التطبيق، ولإبراء الذمة أيضا. وإذا ما أردنا تحقيق الكفاءة القصوى والنجاح لنظام (تصريح الحج) فلا بد أن نضمن أن تكون الأسعار في متناول الجميع بحيث تكون حملات الحج الخيار الأمثل لجميع فئات المجتمع. لا مانع من أن تكون هناك حملات خاصة لمن يبحث عن التميز حتى في الحج، ولكن يجب ألا ننسى أن هناك طبقات من السعوديين، والعمال الأجانب ممن يستحقون أن تُهيأ لهم سبل الوصول النظامي إلى مكة.
أعتقد أن بعض حملات الحج تسببت في زيادة نسبة المخالفين بسبب مغالاتها في الأسعار وتجاهلها لطبقات مختلفة من المجتمع تدخل ضمنها العمالة الوافدة. كثير من العمالة الوافدة تقبل بالهجرة والعمل في السعودية بأجور متدنية رغبة منها في أداء فريضة الحج، وعندما لا يتمكن هؤلاء من دفع رسوم الحج الباهظة فربما سعوا لخرق الأنظمة وتعريض أنفسهم للخطر، كما حدث لبعض الحجاج الذين سقطوا من جبال مكة في محاولتهم الهرب من نقاط التفتيش.
نجاح السلطات الرسمية في خفض نسبة المخالفين لنظام تصريح الحج العام الحالي يحتاج إلى دعم مضاعف من أطراف مختلفة لضمان استمرار النجاح وتطويره في الأعوام القادمة. تصنيف الحملات إلى أربعة أو خمسة مستويات وتحديد أسعارها لتتوافق مع متطلبات، وقدرات شرائح المجتمع المختلفة بدءا من العمالة ربما يكون أحد الحلول الناجعة للحد من عمليات تسلل الحجاج ومخالفة النظام.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7741 ثم أرسلها إلى الكود 82244
f.albuainain@hotmail.com