Al Jazirah NewsPaper Saturday  13/12/2008 G Issue 13225
السبت 15 ذو الحجة 1429   العدد  13225
الصين ووثن البناء
زايوو تشين

بينما نحاول استيعاب الآثار المترتبة على خطة التحفيز التي أقرتها الصين والتي تبلغ 586 مليار دولار أمريكي، فمن المثير للاهتمام أن نفكر في الأسباب التي تدفع الصين إلى اختيار البنية الأساسية، والبناء، والمشاريع الضخمة كلما ارتأت أن النمو في حاجة إلى الدعم. هل تتمكن الصين من تحقيق النمو على المدى البعيد بمجرد إضافة المزيد من أعمال البناء المادية؟ وإذا ما أتى، أو حين يأتي وقت التوقف أو تغيير المسار، فهل ستتمكن المؤسسات السياسية الاقتصادية القائمة في الصين الآن من استيعاب مثل هذا التحول؟

أثناء رحلة قمت بها مؤخراً إلى البرازيل، اشتكى لي سائق سيارة الأجرة عن وعورة شوارع ساو باولو وطرقها السريعة. فقلت له: (كنت أتصور أن البرازيل أصبحت مزدهرة الآن بفضل ارتفاع أسعار النفط وخام الحديد... لماذا لم تنفق البرازيل المزيد على بنيتها الأساسية؟).

فأجابني: (كان أداء الاقتصاد البرازيلي طيباً، ولكن كلما تجمع لدى الحكومة أي قدر من الدخل الإضافي يحب الرئيس لولا أن يمنح الناس إعفاءات ضريبية وإعانات، بدلاً من استخدام ذلك الدخل لتحسين حالة الطرق. ولكن لماذا؟).

أجبته: (حسناً، إن البرازيل بلد ديمقراطي. فلتتخيل أنك مكان لولا ووجدت تحت تصرفك 18 مليار دولار أمريكي، فهل تفضل إنفاقها على الطرق أم تعطي كل برازيلي مائة دولار؟).

فقال: (أجل، أعطي الناس لكي أفوز بالمزيد من الأصوات).

إن الحكومة في الصين ليست منتخبة، وعلى هذا فإن الفوز بالمزيد من الأصوات لا يشكل جزءاً من الحسابات، وإعادة الأموال إلى الشعب ليست بالخيار الوارد على الإطلاق. والحكومة لا تنفق الأموال فحسب، بل يبدو أنها تميل دوماً إلى تفضيل الأشياء الملموسة، مثل ناطحات السحاب، والمباني الحكومية الفخمة، والطرق السريعة، والمشاريع الصناعية الضخمة.

وهذا يفسر جزئياً، ليس فقط سبب تخلف ديمقراطيات مثل الهند والبرازيل عن الصين في البنية الأساسية، بل وأيضاً سبب تركيز الصين لحزمة الحوافز الجديدة على أنظمة النقل (مشاريع السكك الحديدية وحدها سوف تتلقى أكثر من نصف مبلغ خطة التحفيز). في الأنظمة غير الديمقراطية يُحاسَب المسئولون أمام رؤسائهم ولا يحاسبهم الناخبون، ولا شك أن انتباه الرؤساء إلى عمل المسئولين يكون أسهل من خلال المشاريع الملموسة.

في الواقع أن خطة التحفيز الجديدة التي تبنتها الصين رغم تركيزها الواضح على البنية الأساسية، إلا أنها تولي البرامج الاجتماعية، مثل الرعاية الصحية والتعليم، أقل قدر من الاهتمام، رغم أنها قد تقلل من ضغوط الادخار الأسري وتشجع الاستهلاك الخاص.

إن هذا النوع من بنية الإنفاق ليس بجديد على الصين. ففي العام 2007 بلغ إجمالي إنفاق الحكومة الصينية على الرعاية الصحية، والضمان الاجتماعي، وبرامج الرعاية الاجتماعية للبطالة 88 مليار دولار، أي 15% من الميزانية المالية و2.4% من الناتج المحلي الإجمالي (وهذا أدنى كثيراً من النسب المعتادة في كل من البلدان المتقدمة والنامية). إذ تنفق حكومة البرازيل 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي على الرعاية الصحية وحدها. كما تنفق الحكومة الصينية على التعليم حوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بحوالي 5.4% في البرازيل.

وبسبب الافتقار إلى الإشراف الشعبي العام على ميزانية الحكومة، فإن النظام السياسي في الصين يميل بصورة خاصة إلى الانحياز لصالح المشاريع المادية الضخمة. وعن طريق فرض الضرائب وملكية الدولة، تفرض الحكومة سيطرة شبه كاملة على القدر الأعظم من الدخل الوطني والثروة، الأمر الذي يؤدي إلى تعظيم الآثار المترتبة على هذا النوع من التحفيز. ولم تأت المواقع الأولمبية الرائعة في بكين عن طريق الصدفة، بل كانت نتيجة لهذا النظام.

نادراً ما يتصدى المجلس الوطني لنواب الشعب أو وسائل الإعلام لمراجعة السلطة الضريبية. ونتيجة لهذا فقد تضاعفت العائدات المالية الحكومية، بعد تعديلها وفقاً للتضخم، إلى 5.7 أمثالها في غضون الفترة من العام 1995 إلى العام 2007. في المقابل، وأثناء الفترة نفسها، بلغت الزيادة التراكمية في نصيب الفرد من سكان الحضر في الدخل 1.6 ضعفاً، وفي نصيب الفرد من سكان الريف في الدخل 1.2 ضعفاً. وهذا يعني أن "النظام الاشتراكي ذا الخصائص الصينية" الذي تتبناه الصين يدير اقتصاداً حيث تذهب الحصة المتزايدة من الدخل الوطني إلى الدولة.

على الرغم من الخصخصة، فهناك ما يقرب من 119000 شركة مملوكة للدولة اليوم، تبلغ قيمتها الدفترية نحو 4 تريليونات دولار. وتقدر قيمة الأراضي المملوكة للدولة بأكثر من 7 تريليونات دولار. ومجموع هذه الأصول المملوكة للدولة يبلغ تقريباً ثلاثة أرباع الثروة الإنتاجية الوطنية في الصين.

مع امتلاك الدولة لكل هذا فقد ذهبت أغلب المكاسب في قيم الأصول على مدى الثلاثين عاماً الماضية إلى خزائن الحكومة. وما دامت أغلب الأسر لا تمتلك أي أصول إنتاجية خاصة بها، فلا يمكنها أن تشارك في أي حصة من ارتفاع قيمة الأصول أو الدخل الذي تدره الممتلكات. وبالنسبة لمعظم المواطنين فإن الأجور تشكل المصدر الوحيد للدخل. ولكن نمو الأجور كأن أبطأ كثيراً من نمو الناتج المحلي الإجمالي. ولا عجب إذن في عجز الاستهلاك المحلي عن النمو على نحو يتناسب مع الناتج المحلي الإجمالي.

إن تحويل الصين من اقتصاد قائم على التصدير إلى اقتصاد يعتمد على الاستهلاك المحلي يتطلب بندين أساسيين من بنود الإصلاح. أولاً، لابد من توزيع حقوق الملكية لبقية الأصول المملوكة للدولة بالتساوي على مواطني الصين البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة. ويمكن القيام بذلك عن طريق وضع هذه الأصول في صناديق ثروة وطنية ثم توزيع أسهم هذه الصناديق على المواطنين دون مقابل.

ثانياً، لابد وأن تكون عملية وضع الميزانية الحكومية علنية ومفتوحة، من خلال جلسات الاستماع العامة في الهيئة التشريعية الوطنية، ومشاركة الجمهور عن طريق وسائل الإعلام. ومثل هذه المسؤولية المتزايدة من شأنها أن تحول الإنفاق الحكومي نحو البرامج ذات الصلة باحتياجات الناس وبعيدا عن المنشآت المادية.

وبدون هذه الإصلاحات الهيكلية أو إعادة الفوائض المالية للأسر من خلال خفض الضرائب والإعفاءات الضريبية، فإن جهود التحفيز القائمة على الاستثمارات الحكومية قد لا توفر، في أحسن الأحوال، أكثر من دفعة اقتصادية قصيرة الأمد. فهي غير قادرة على تغيير النظام السياسي الاقتصادي الصيني القائم على التصدير والاستثمار. والواقع أن الصين، حتى بعد حزمة الحوافز الجديدة، سوف تظل تعتمد على الاستثمار والتصدير لتحقيق النمو. كان تركيز الموارد في يد الحكومة من خلال ملكية الدولة والضرائب مفيداً للصين طيلة ثلاثين عاماً. فقد خدم ذلك كأساس متين لسياسة بناء الأمة من خلال (تركيز الموارد وتشييد الصروح الضخمة).

بيد أن الصين اليوم أصبح لديها بنية أساسية محترمة، ومنشآت مبهرة، وقاعدة صناعية فائضة. أما المفقود في هذه المعادلة فيتلخص في تبني القدر الكافي من الاستهلاك الخاص من أجل تمكين النمو الداخلي. ولتصحيح هذا فإن الصين تحتاج إلى تعزيز إحساس الناس بالأمان المالي في المستقبل ورفع الدخل الخاص بما يتناسب مع نمو الناتج المحلي الإجمالي. إن بناء الأمة يتطلب ما هو أكثر من الصلب والخرسانة.

أستاذ التمويل بمدرسة ييل للإدارة.
خاص بـ(الجزيرة)



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد