Al Jazirah NewsPaper Saturday  13/12/2008 G Issue 13225
السبت 15 ذو الحجة 1429   العدد  13225
الفساد.. ومدينة أفلاطون الفاضلة!
تركي العسيري

كلما أمعنت النظر في صور المرتشين والمزورين (الصغار) التي تنشرها الصحف.. وحدقت في سحناتهم الرمادية، وندمهم الظاهر، اعترتني موجة من الشفقة عليهم لا لتعاطفي معهم -حاشا لله- ولكن لأنهم سيقبعون في غياهب السجن لقاء جريمة لا تستحق

(السجن والمرمطة) فبعضهم ارتشى بمئات الريالات التي كان بمقدوره جلبها لقاء عمل بسيط يقوم به. وقديماً قال أجدادنا:

(إذا سرقت.. اسرق جمل).. هذا حين كان لسفينة الصحراء (حنّة ورنّة).

(وإذا عشقت.. اعشق قمر).. وأمثالي ودعوا العشق والعاشقين منذ زمن بعيد!

أقول.. قلبي مع أسماك الساردين الصغيرة التي وقعت في الفخ.. بينما ظلت أسماك القرش المفترسة تسرح وتمرح دون أن يجرؤ أحد على اصطيادها أو الاقتراب منها.

ولست أدري بعلمي القليل، وعقلي القروي الصغير.. هل نحن نعيش كمواطنين صالحين في مدينة (أفلاطون) الفاضلة.. التي طرد من رحابها حتى الشعراء إمعاناً في الطهر والنقاء، والفضيلة والأمانة.. التي حملها الإنسان لظلمه وجهله.. فلا يعلن عن ضبط مسؤول استغل منصبه لجني الملايين، أو تاجر تلاعب بقوت المواطنين أو شركة قدمت رشا بملايين الريالات للفوز بمشاريع حكومية تقدر تكلفتها بالمليارات.

أنا مع الستر فالله ستار يحب الستر.. ولكن الستر يكون مقبولاً حين يتعلق الأمر بقضية أخلاقية كتلك التي تضبطها هيئة الأمر بالمعروف.. لا في قضايا مالية خطيرة.

وإذا افترضنا على مضض أهمية الستر.. فلماذا لا تشمل هؤلاء المرتشين والمزورين الصغار.. الذين علقت على صدورهم أرقامهم وجرائمهم ورقم عنابرهم في السجن، (فالعدل في الظلم عدل).. اللهم إلا إذا كانت تلك (اللوحات) قد صممت على مقاس صدور المجرمين الصغار الضيقة.. لا صدور (الهوامير) الواسعة.. فذاك شأن آخر!

نحن لا نطالب -معاذ الله- من هيئة محاربة الفساد أو غيرها من الأجهزة الرقابية أن تقدم لنا ضحية بريئة من المسؤولين الكبار لترضينا، ولكننا نطالبها بكشف المفسدين، والمرتشين الكبار، والمتلاعبين بقوت المواطن الغلبان.

ولعل أقصى العقوبات التي نسمع بها.. كف يد هذا المسؤول أو ذاك عن العمل، أو الفصل.. وكلاهما ليس حلاً. الحل أن يشهّر بهذا المسؤول الذي لم يرع الأمانة، وأن تفصّل لصدره (لوحة) تليق، وأن تنشر صورته في الصفحات الأولى..

أما حكاية كف اليد، والفصل.. فهذه في رأيي أقرب إلى المكافأة.. مكافأة نهاية الخدمة، منها إلى العقاب.. بدليل أنني أتمنى -وأنا بكامل قواي العقلية والجسدية- أن تولوني على وظيفة (ألهف) منها الملايين.. ثم افصلوني بل واسجنوني كما هو الحال.. لمشغلي الأموال الذين لهفوا أموال المساكين والأرامل ثم لم يردوها.. باعتبار السجن أحب إليهم من أن يردوا مئات الملايين التي جنوها بغير حق.

في دول العالم المتحضر.. تعلن عن قضايا الفساد على الملأ.. ففساد الأفراد لا يعني فساد الدول بل هو دليل على نزاهتها وشفافيتها ومحاربتها لهذه الظاهرة.

ولعل الخطوة الشجاعة التي أقدمت عليها دولة الإمارات الشقيقة في محاربة الفساد، وقدرتها الوصول إلى مسؤولين كبار أوقفتهم خطوة جديرة بالتقدير.. ما أحوجنا إلى أن نتخذها أنموذجاً للشفافية والأمانة والصدق.. فالفساد ظاهرة عالمية لا وطن له.. ولا يختص به بلد دون الآخر.. وليس بمقدور أحد أن يدعي أنه يعيش بمنأى عن هذا (الغول) الذي طالما دمر ذمم اقتصاديي بلدان كثيرة.. وعلى الله قصد السبيل.



alassery@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد