في ذرى (صِّنين) عاش (ناسك الشخروب) ومات؛ قبرهُ معتكفه، ومنزله تأملُه، وكنا نسلك دروباً وعرة كي نبلغه، وأدركنا كيف تبدو الحياةُ الحرة يسيرةً لمن عاش مثله، يُؤلمه أن يجد من يغسل وجهه عدة مرات في اليوم ولا يغسل قلبه مرة في العام.
* لا عجب إن طال عمر ميخائيل نعيمة 1889 - 1988م؛ إذ نأى عن البشر، وألف الشجر والحجر، ولم يُجلِّل ساعاته بقتامة الكمد والحسد والضوضاء والبغضاء.
* لم تعد المدينةُ الكبيرةُ وحدها مصدرَ الضّيق والإزعاج، ولو عاش واحدُنا اليوم حيث عاش صاحب (النور والديجور) بالأمس لحمل معه هاتفه وجهازه المحمول، ولتابع الفضائيات والمنتديات، ولما وجد في العُزلة عزلة، ولا في الوقت فسحة، ولرأى في القمم سفوحاً.
* أرهقْنا عقولَنا باللجاج، وقلوبنا بالخصام، وأبداننا بالاستيقاظ الدائم، وحاصرتنا المشاغل في المكاتب والمنازل، بل حتى في المنام والأحلام، وامتلأت الساحات بالتلوّث والتلوّن، وفاضت بالرسائل الطائفية والجهويّة.
* نتمنى أن نغيب أو تغيب عنا نشرات الأخبار، ويندثر من قاموسنا (عاجل) و(سري)، ومن شاشاتنا أسهم صاعدة ونازلة، ومن حياتنا من لا يحررون عقولهم من التبعيّة، ومبادئهم من الدونيّة، وقلوبهم من الكره والاستعداء، وشخوصهم من التزلّف والاستعلاء.
* كانت القلوب مشاعر، والعقول مشاعل، ثم رانت عليها ضغوط الحياة وتعقيداتها وتراكمات الهوى وتصنيفاته؛ فدخلت في نفق المعويّة والضدّية، واستبدلت الوهاد بالنجاد، فهل نجد ما يسمو بها فتعود للصعود في موسم عيد وإطلالةِ عام.
* القمم للقيم.
Ibrturkia@hotmail.com