يختلط الفهم على البعض حينما يسهم التصور في الذهن في التشخيص الخاطئ للقبح، كمفهوم له دلالته التي تنبئ عن المحتوى السلبي الذي تفيض به جنباته، وغالباً ما يتم إطلاق هذه الصفة التي لا تسر ولا تسعد أحداً بطبيعة الحال، كمقياس لنقيض الجمال على المرأة التي تفتقر إلى عناصر الجمال من وجهة نظر مطلقها وهي نظرة ضيقة، فمن يطلق هذه الصفة فإنّه يتوشّح بها تلقائياً، حيث إنه جانب الصواب، لأنّ معايير القبح التي تحدد تلك الصفة لا تشمل الموصوف بل إنه اندرج في إطارها يقبح التفكير على هذا المنوال فناله من الحب جانب، والأمر الآخر إذا كانت المواصفات لا تتوافق مع مقاييسه بهذا الخصوص، فإنها حتماً ستتوافق مع ميول وذائقة آخر، بمعنى أنّ المسألة نسبية، وأعني بذلك الجمال ومعاييره، وخير دليل على ذلك هو حالة الاستغراب التي تصيبه حينما يجد رجلاً وسيماً حسب مواصفاته ووفقاً لتصوره أيضاً وذا مركز ومال وجاه مقترناً بامرأة ليست جميلة من وجهة نظره أيضاً، ولو حلّل هذا الأمر بقليل من الذكاء لأدرك أنّ الصواب في جهة وهو في الجهة الأخرى، فمسألة التوافق الشمولي يحتضن العلاقة بين الطرفين ولو عرض على هذا الرجل الوسيم وفقاً لتصنيفات صاحبنا المستقبح - بكسر الباء - أجمل فتيات الدنيا وضمن تصوره أيضاً فإنه سيعرض عنهنّ وسيتجه إلى امرأته التي أحبها وأحب ما فيها، هنا يرتبك مؤشر قياساته وتصنيفاته، فكل امرأة على وجه الأرض تملك ما يميزها، وكل رجل في هذه الأرض يملك ما يميزه، فالرجل تشبع نهمه الميزة التي بالمرأة التي هي الأخرى تجد الميزة التي تبحث عنها، ليظلل هذه العلاقة الرباط المقدس والحب الذي لا تلبث أنهاره أن تسري في الأحاسيس، لتتدفق المشاعر وتضخ مزيداً من الود والتآلف والوئام، لتعزّز العشرة الطيبة هذه الأواصر، وتضفي عليها مزيداً من التوافق النفسي والفكري، ليشكل التقارب المعنوي جسراً صلباً يعبر من خلاله الأبناء إلى آفاق الترجمة الحقيقية لمعنى الحياة وكيف تُبنى الأجيال في هذا الإطار الجميل الجذاب واستقاء القيمة الجميلة الخالدة من ديننا الحنيف الذي يعتني بالأسرة وتنمية العلاقة على الود والاحترام .. سئل ابن شهاب الزهري عن المروءة فقال (اجتناب الريب وإصلاح المال والقيام بحوائج الأهل) وحوائج الأهل لا تقتصر على الأمور المادية بل المعنوية أيضاً من أحاسيس جميلة لتعبر من خلال القول كلمات عذبة رقراقة تتدفق مروءة ونبلاً وشهامة، أن طبيعة المجتمع الشرقي وتحديداً في الخليج ربما تكون جافة نوعاً ما لأسباب قد ترتبط بالبيئة ولا نغفل الثقافة المتوارثة بهذا الصدد، وقد يكون هذا الجفاف النسبي إن جاز التعبير في السابق له ما يبرره في تكوين الشخصية الجافة وليست المتسلطة، فقد كان العدل في العلاقة منطلقاً لم يتخل عنه الآباء والأجداد ولم يحيدوا عنه قيد أنملة، بالرغم من المشقة وشظف العيش، حيث الحياة كانت من الصعوبة، إلاً أن السماحة والوفاء تضيئان هذه الحقبة الزمنية، فلم يكن للتفكك الأسري ذكر ولم يكن العنف وارداً بل إن التواد والتراحم يشكلان محور ارتكاز التواصل الأسري، بل بين أفراد المجتمع الواحد، فما بالنا اليوم وكل الأمور سهلة ميسرة حيث رغد العيش، وقد نكون بحاجة إلى ضخ مزيد من الرومانسية في المفاصل وليست المعضلة في عدم توافر المادة أو بالأحرى الكلام الجميل المعبر، فقد تجد الواحد منا يحفظ الأشعار ويقرأ النثر الجميل عن الحب ومفعوله السحري في تنمية الروابط ويأبى كبرياؤه المزعوم، من نثرها على أفراد أسرته، ولا أبرئ نفسي من هذه التهمة فأنا في المعمعة، بيْد أن التصحيح وارد وينقصه المبادرة، لذا ومن هذا المنبر الجميل الرائع سأسطر هذا الاعتراف ملحقاً بالتعهد وأدرك تماماً بأنّ العائد سيصب في مصلحتي بالدرجة الأولى ولمصلحة أسرتي وتحديداً أم عيالي والشجاعة الأديبة تكمن في التراجع والتصحيح فأكتب وبالله التوفيق:
أقر أنا كمواطن شرقي أعيش في هذه المنطقة الرائعة وهذه البيئة الجميلة والمتجانسة بأني (جلف) حبتين خصوصاً في مسألة حجب ما يختزنه فكري من الكلام الجميل المعبر وحبسه في الذهن (بالضبة والمفتاح) وكأنه كنز (علي بابا)، وأتعهد بأني سأطلق سراحه ليجوب الآفاق ويسرح في محيط أسرتي اعتباراً من نشر هذه المقالة، وسأنطلق على بركة الله في ضخ جميع أنواعه المؤثرة، ولن أتوانى في نثر الكلمات الجميلة المعبرة ولا يعني هذا انها لم تكن موجودة، بل كنت مقلاً حد الكفاف وأعترف بذلك وسأوافي القراء الأعزاء بعد أربعة أشهر من الآن إن كتب الله لي عمراً بالعوائد الإيجابية التي سأجنيها ومخاض هذه التجربة التي ستشكل ولا ريب نقلة نوعية في محيط الأسرة، ولست ولله الحمد فظاً، بل إني أحجب ما أرى أنه يزيد من تدفق أنهار الحب والود والوئام وأستطيع أن أسميها (أنفة في غير مكانها). ومن يرغب في الانضمام إلى هذه المبادرة فلينطلق معي في تبنِّي هذه المبادرة وسيلاحظ أنّ ثمة كنزاً مفقوداً لم يكن مفتاحه إلاّ في الذهن والتواضع، وأدرك أيضاً بأنّ الهدوء وراحة البال سيظللان هذه المرحلة وطول العمر إن شاء الله وكل ما هو مطلوب المبادرة في هذا الأمر ونجاح هذه المبادرة يكمن في تغيير السياسة من خلال التعاطي بأريحية ومن دون تكلف، إنه العطاء بإحساس وهذا ما نفتقده، وسنجده بحول الله وقوّته، الحلول الجذرية تحقق نتائج مبهرة وهذا أهمها على الإطلاق.
hamad@asas-re.com