يغادر الحجاج المتعجلون اليوم الأربعاء منى وهو ثاني أيام التشريق، في حين يبقى من يريد أن يتأخر منهم إلى يوم غد الخميس، وقد كانت الأيام الماضية فرصة عظيمة للحجاج لتعلم مبادئ إسلامية سامية بطريقة عملية وعلى مدى أيام متتالية، مما يجعلنا نقول: إن الحج مدرسة عظيمة يتخرج فيها الحجاج وقد مارسوا عمليا بعض المبادئ القيمة التي ربما ظلوا يتعلمونها نظريا من خلال الكتب أو يسمعونها عبر المواعظ.

فعلى سبيل المثال؛ يقرأ المسلمون ويسمعون عن وحدة الأمة الإسلامية، وهذه الوحدة تتجسد حقيقة لدى تأدية الحجاج مناسك الحج. فجميع الحجاج بمختلف أجناسهم وألوانهم وأوضاعهم يتوجهون إلى رب واحد وبلباس واحد، وعلى صعيد واحد. وهذه صورة مصغرة للأمة الإسلامية الواحدة، ذات الماضي المشترك والحاضر والمستقبل الواحد. وهذا الشعور بوحدة المسلمين لا يمكن أن يتولد في نفس المسلم عبر قراءة الكتب أو سماع الخطب وحدها، وإنما يتدفق هذا الشعور تلقائيا بمجرد الذوبان في المجموع، بحيث يصبح الأفراد كتلة واحدة، تسير في طريق واحد. وهذا ما يتضح بجلاء عبر مناسك الحج العظيم.

ومن الدروس أيضا وهو مرتبط بما سبق هو أن الأمة الإسلامية على الرغم من أنها أمة واحدة إلا أنها تتكون من شعوب وقبائل شتى، لهم تقاليد مختلفة، وعادات متفاوتة، ومن خلال موسم الحج يتعرف المسلمون بعضهم على بعض، فتتكسر الحواجز النفسية بين الشعوب الإسلامية، وتبنى جسور التواصل والتفاهم بينها، مما يخدم الإسلام في نهاية المطاف.

ومن الدروس المهمة التي يستوعبها الحجاج ويمارسونها عمليا الصبر والمجاهدة في سبيل تحقيق الهدف، فالحجاج قدموا من كل فج عميق، وتكبدوا عناء السفر، وصرفوا من جهدهم وأموالهم ما الله به عليم، من أجل تأدية الركن الخامس من أركان الإسلام، كما أنهم تحملوا مصاعب الزحام أثناء تنقلاتهم بين المشاعر وأثناء تأديتهم لمناسك الحج المختلفة، وهذا كله ولا شك يحتاج إلى مصابرة حتى يستطيعوا أن يتموا الحج وفقما أمر الله تعالى.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244