التاريخ دوماً هو ذاكرة الأمم والشعوب عبر الزمن.. ومن هنا جاءت أهمية مراكز أو لجان كتابة التاريخ ومسؤولياتها المتزايدة في رواية التاريخ بأمانة وشفافية وعدل وإنصاف لإعطاء كل ذي حق حقه.. وكتابة التاريخ للأجيال كشاهد حق على العصر من واقع الدراسات والوثائق والمستندات وبجهود المحققين والباحثين والمؤرخين.
والمراقب عن كثب واهتمام لقرارات وإجراءات حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز يلمس بوضوح حرصهما واهتمامهما الكبير على كتابة تاريخ ربوع هذه المملكة الناهضة بأحرف من النور بتقديم كل رعاية تمكنت بجهود التوثيق والدراسة من قبل أبناء هذا الوطن.. ويأتي ذلك في إطار الرعاية والتطوير لكافة مناطق المملكة ومواطنيها.
ولقد سعدت للغاية بالخطوات المهمة والفاعلة التي اتخذها الاجتماع التأسيسي الأول الذي ترأسه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز وبحضور صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة وذلك لمجلس إدارة مركز تاريخ مكة المكرمة الذي عقد في محافظة جدة وذلك في منتصف شهر رمضان المبارك الماضي.
لاسيما وقد تمخض عن هذا الاجتماع المهم العديد من الموضوعات الحيوية تمهيداً لانطلاق أعمال المركز كلما أقر عدد من القرارات التأسيسية ومن أبرزها توسيع عمل مركز تاريخ مكة المكرمة لتشمل مكة المكرمة والمدينة المنورة.. وذلك بعد التشاور والتنسيق مع صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد أمير منطقة المدينة المنورة حيث تقرر ضم مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة مع مركز تاريخ مكة المكرمة ليصبح باسم (مركز تاريخ مكة المكرمة والمدينة المنورة).
كما شهد هذا الاجتماع الاتفاق على تحديد أهداف هذا المركز والتي تتركز في جميع مصادر تاريخ مكة المكرمة والمدينة المنورة من خلال جميع المخطوطات والدراسات والوثائق والصور والخرائط والروايات والمقالات والأقلام الروائية وإعداد ونشر الدراسات والمؤلفات عن تاريخها وجوانب الحياة المختلفة فيها قديما وحديثا وتحقيق المخطوطات غير المنشورة عن هذا التاريخ الحافل ونشرها ودعم وحشد الباحثين لخدمة تاريخ العاصمة المقدسة وطيبة الطيبة.
ووضع سمو الأمير سلمان بصفته رئيسا لمجلس دارة الملك عبدالعزيز النقاط فوق الحروف بما يتحلى به من حنكة وخبرة سياسية وإدارية ضخمة لانطلاقة حضارية مرجوة لهذا الصرح العملاق وساعده في ذلك أصحاب السمو والمعالي أعضاء مجلس إدارة الملك عبدالعزيز للاتفاق على أهداف المركز الجديد بعد دمجه وتحديدها بدقة لكي تشكل تنظيم اللقاءات العلمية والمعارض المتخصصة عن تاريخ مكة المكرمة والمدينة المنورة وإصدار الدوريات العلمية المختلفة التي تهتم بنشر تاريخ هاتين المدينتين المقدستين باللغة العربية وغيرها من اللغات العالمية وإنشاء بوابة تقنية للمعلومات عنها بعدة لغات لخدمة المهتمين والباحثين والمتخصصين.. وكذلك التعاون مع المراكز والمؤسسات المماثلة في كافة أنحاء العالم العربي والإسلامي فيما يحقق خدمة تاريخ مكة المكرمة والمدينة المنورة وفقاً لأحدث الأساليب العلمية بما يتناسب مع مكانتها وأهميتها وتاريخها العريق.. وهو الأمر الذي يهتم به كل العرب والمسلمين والمستشرقين والمؤرخين وغيرهم.
ولا شك أن الخطوة الحضارية والتنويرية البناءة والمتمثلة في توحيد مركز تاريخ مكة المكرمة، ولا شك أن الخطوة الحضارية والتنويرية البناءة والمتمثلة في توحيد مركز تاريخ مكة المكرمة والمدينة المنورة في مركز موحد وكبير تأتي في إطار توحيد الكيانات المتشابهة بهدف توحيد الجهود والفاعليات وتركيزها خاصة أنها لم تغفل عنصر التمويل الذي تم بحثه أيضاً خلال هذا الاجتماع المهم حيث اتفق على أن يتم من خلال وقف يقوم بتمويل الأنشطة ويسهم في تنفيذ البرامج والأنشطة والغايات المستهدفة وهي كثيرة.
وتبقى في النهاية كلمة.. فتاريخ المملكة مملوء بالإنجازات عميقة الأثر عبر مختلف العصور.. فما بالكم بتاريخ مكة المكرمة والمدينة المنورة بما لهما من طابع ديني مقدس في نفس كل مسلم حيث تهفو لها قلوب المؤمنين، وصناع وأبطال تاريخ هاتين المدينتين المتقاربتين جغرافيا بما يسهل الانتقال بينهما نظرا لاختلاف التحديات والمتغيرات والغايات أحيانا كثيرة.. وإن كانت نضمهما المنطقة الغربية.. وهي الحكمة وراء قرار توحيد مركز تاريخ المدينتين.. ونحن في انتظار ترجمة هذه القرارات الرشيدة لتفعيل هذا المركز بكل ما يضمه من تراث وبطولات وإنجازات خلاقة لشتى أجيال هذا الوطن الكبير.