Al Jazirah NewsPaper Wednesday  10/12/2008 G Issue 13222
الاربعاء 12 ذو الحجة 1429   العدد  13222
الهوس بتشخيص الخلل المزاجي الثنائي القطبية
مارك زيمرمان

أثناء السنوات القليلة الماضية، أشار العديد من الخبراء إلى أن الاضطراب المزاجي ثنائي القطبية وهو خلل خطير يؤدي إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض النفسية الاجتماعية ويزيد من معدلات الوفاة لا يتم تشخيصه على الوجه السليم، وبخاصة بين المرضى الذين يعانون من نوبة اكتئاب كبرى. وحتى المرضى الذين يتم تشخيصهم بأنهم مصابون بالاضطراب المزاجي ثنائي القطبية، فإنهم ينتظرون غالباً أكثر من عشرة أعوام بعد أن يطلبوا العلاج للمرة الأولى حتى يتم تشخيص حالتهم على الوجه الصحيح.

إن الآثار السريرية الطبية المترتبة على الإخفاق في التعرف على الاضطراب المزاجي ثنائي القطبية بين مرضى الاكتئاب تشتمل على عدم وصف القدر الكافي من العلاجات المُثَبِّتة للحالة المزاجية، وارتفاع خطر (التقلب) السريع التقلبات بين مراحل الهوس والاكتئاب.

ولكن ربما كنتيجة للجهود المتضافرة من أجل تحسين القدرة على التعرف على الاضطراب المزاجي الثنائي القطبية، لاحظنا على مدى الأعوام القليلة الماضية نشوء ظاهرة معاكسة ألا وهي الإفراط في التشخيص.

أثناء مزاولتي لمهنتي، كنت كثيراً ما ألتقي أنا وزملائي بمرضى أفادوا بأنهم شُخِّصوا سابقاً بالإصابة بالاضطراب المزاجي ثنائي القطبية، وذلك على الرغم من غياب أي تاريخ مرضي من الإصابة بنوبات هوس أو حتى هوس خفيف. ولا شك أننا قابلنا أيضاً مرضى يسعون إلى العلاج من الاكتئاب رغم أنهم في الحقيقة يعانون من الاضطراب المزاجي ثنائي القطبية.

ولكن يبدو أن حالات الإفراط في التشخيص أكثر من حالات التفريط في التشخيص.

لذا، أجرينا دراسة تجريبية للتعرف على مدى الإفراط أو التفريط في تشخيص الاضطراب المزاجي الثنائي القطبية.

فأجرينا مقابلات مع سبعمائة مريض نفسي خارجي باتباع أسلوب المقابلة السريرية المنظمة طبقاً للدليل التشخيصي الإحصائي الرابع للاضطرابات النفسية (SCID)، وأكملنا استبياناً ذاتياً اشتمل على سؤال المرضى عما إذا كانوا قد شُخِّصوا من قبل بواسطة أحد أطباء الرعاية الصحية بأنهم مصابون بالاضطراب ثنائي القطبية أو خلل الهوس الاكتئابي. كما جمعنا بيانات التاريخ العائلي عن الأقارب المباشرين للمرضى.

ولقد أظهرت الدراسة أن ما يزيد قليلاً على 20% من مرضى العينة (145 مريضاً) أفادوا بأنهم شُخِّصوا سابقاً بالإصابة بالاضطراب المزاجي الثنائي القطبية، وهذا أعلى كثيراً من معدل 12.9% على أساس المقابلة السريرية المنظمة طبقاً للدليل التشخيصي الإحصائي الرابع للاضطرابات النفسية (SCID).

وأقل من نصف هؤلاء الذين ذكروا أنهم شُخِّصوا سابقاً بالإصابة بالاضطراب المزاجي ثنائي القطبية تم تشخيصهم بالإصابة بالاضطراب المزاجي الثنائي القطبية على أساس المقابلة السريرية المنظمة طبقاً للدليل التشخيصي الإحصائي الرابع للاضطرابات النفسية (SCID). والمرضى الذين شُخِّصوا بالإصابة بالاضطراب الثنائي القطبية على أساس أسلوب (SCID)، تبين أن احتمالات الإصابة بالاضطراب الثنائي القطبية بين أفراد عائلاتهم المباشرين مرتفعة إلى حد كبير مقارنة بالمرضى الذين أفادوا في الاستبيان بأنهم شُخِّصوا سابقاً بالإصابة بالاضطراب الثنائي القطبية ولكن لم يتم تأكيد ذلك باتباع أسلوب (SCID).

والمرضى الذين أفادوا بأنهم شُخِّصوا سابقاً بالإصابة بالاضطراب الثنائي القطبية ولكن لم يتم تأكيد ذلك باتباع أسلوب (SCID) لم يكن خطر إصابتهم بالاضطراب الثنائي القطبية أعلى كثيراً من المرضى الذين أفادوا بأنهم لم يُشخَّصوا سابقاً بالإصابة بالاضطراب الثنائي القطبية ولم يؤكد أسلوب (SCID) إصابتهم به.

وعلى هذا فإن النتائج التي توصلنا إليها والتي عززها التاريخ المرضي لعائلات المرضى تشير إلى أن الاضطراب المزاجي الثنائي القطبية كان ضحية للإفراط في التشخيص.

إن أي دراسة تسعى إلى تحديد ما إذا كان هناك إفراط في تشخيص أي اضطراب نفسي سوف تجد عند إعادة المقابلة أن بعض المرضى المصابين بهذا الاضطراب ليسوا مصابين به حقاً. وهذه هي طبيعة الاعتماد المنقوص على تشخيص الأمراض النفسية.

المسألة إذن ليست ما إذا كان بعض المرضى الذين شُخِّصوا سابقاً لا تبدو عليهم أعراض الخلل عند إعادة المقابلة، بل إن السؤال الذي ينبغي علينا أن نوجهه إلى أنفسنا هو كم عدد هؤلاء. وإلى أي مدى ينبغي أن ترتفع هذه النسبة قبل أن نعتبر قضية الإفراط في التشخيص مشكلة ضخمة هي في الواقع مسألة حكم على القيمة. بيد أننا نعتقد أن ارتفاع معدلات الإفراط في التشخيص عن50% يشكل تجاوزاً لحدود المغزى من العلاج السريري.

إن الإفراط في تشخيص الاضطراب الثنائي القطبية ليس بلا تكاليف. إذ إن عقاقير تثبيت المزاج تشكل العلاج المختار لمثل هذه الحالات، واعتماداً على مدة العلاج وكثافته فإنها قد تسفر عن مضاعفات صحية خطيرة، فتؤثر على الكلى، والغدد الصماء، والكبد، وجهاز المناعة، أو وظائف التمثيل الغذائي. وهذا يعني أن الإفراط في تشخيص الاضطراب الثنائي القطبية قد يؤدي بلا داعٍ إلى تعريض المرضى لآثار جانبية خطيرة نتيجة لتناول العقاقير.

إن التأثير الناتج عن جهود التسويق من جانب شركات الأدوية والدعاية ربما يلعب دوراً كبيراً في ظهور الميل إلى الإفراط في تشخيص الاضطراب الثنائي القطبية.

والإعلانات التي تخاطب المستهلك مباشرة والتي تحيل الأفراد إلى استبيانات فحص قد تجعل المرضى يشيرون على أطبائهم بأنهم مصابون بالاضطراب المزاجي الثنائي القطبية.

ولقد رأينا الدليل على ذلك من خلال مزاولتنا لمهنتنا. وهذا لا يعكس بالضرورة وجود مشكلة في أداء استبيانات الفحص، بل إنه يشير إلى وجود مشكلة في كيفية استخدام هذه المقاييس.

إن استبيانات الفحص ترفع الحساسية إلى أعظم مستوياتها، وذلك على حساب إيجابيات زائفة، لأنه من المفترض أن يتلوها تقييم سريري قائم على الخبرة. ولكن عدم كفاية الدقة التشخيصية قد تؤدي إلى الإفراط في التشخيص.

إن الأطباء السريريين يميلون إلى تشخيص الاضطرابات التي يشعرون بقدر أكبر من الارتياح في علاجها. ونحن نعتقد أن زيادة توافر العقاقير التي حصلت على الموافقة كعلاج للاضطراب المزاجي الثنائي القطبية قد تؤثر على الأطباء الذين ليسوا على يقين ما إذا كان أحد المرضى أو لم يكن مصاباً بالاضطراب المزاجي الثنائي القطبية أم اضطراب الشخصية الحدي، فيميلون بالخطأ إلى تشخيص المرض الأكثر استجابة للأدوية.

ويتعزز هذا الانحياز بفعل الرسالة التسويقية التي تبثها شركات تصنيع الأدوية إلى الأطباء، والتي تركز على الأبحاث التي تؤكد تأخر التشخيص أو التفريط في تشخيص الاضطراب المزاجي ثنائي القطبية.

وربما كانت هذه الحملة ضد التفريط في التشخيص سبباً في حمل الأطباء على تشخيص بعض مرضى الاكتئاب القلقين أو المهتاجين و-أو سريعي الغضب والذين يشتكون من الأرق أو (تسابق الأفكار) بأنهم مصابون بالاضطراب المزاجي الثنائي القطبية. إن النتائج التي توصلت إليها دراستنا تتفق مع الدراسات السابقة التي أشارت إلى وجود مشاكل محتملة فيما يتصل بتشخيص الاضطراب المزاجي الثنائي القطبية.

وفي وجود عدد أكبر من الأدوية المعتمدة لعلاج الاضطراب المزاجي الثنائي القطبية، فضلاً عن التقارير المتعددة التي تحذر الأطباء من التفريط في التشخيص، فمن الواضح أن الإفراط في التشخيص أصبح يمثل مشكلة أعظم من التفريط في التشخيص.

إن الإفراط أو التفريط في التشخيص من الممكن أن يؤديا إلى عواقب سلبية.ورغم بعض عدم اليقين فيما يتصل بتحديد النهج الأفضل في التقييم، فنحن نوصي الأطباء باستخدام السبل المعيارية المثبتة والمؤيدة بالأدلة.

مارك زيمرمان أستاذ مساعد الطب النفسي والسلوك البشري بكلية براون للطب.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2008
www.project-syndicate.org
ترجمة: إبراهيم محمد علي
Translated by: Ibrahim M.Ali



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد