لأنها تمخر عباب البحر.. وتسافر من ضفة لأخرى ومن مرفأ لمرفأ.. تداعبها الريح تتحول لنورس يرسم بألسنة الموج لوحة تتعانق فيها السماء مع البحر فتهديه فضة نجومها ويهديها البحر حكايا الأعماق..
لأنها الأشرعة بيضاء.. نقية.. لذا من حبر القلب سأسكب الأحرف والكلمات.. ألوّنها بالحياة، وسأسلك كل الجهات بوصلتي قلوبكم وعقولكم.. محاولة أن أقرع نواقيس الفكر وألامس شغاف القلب.
على كل مرفأ سيكون لي وقة، وعلى ضفاف الروح سأرسو بالأشرعة، فأبدأ الرحلة بكم ومعكم.. من كل البساتين سأقطف ورداً وزهراً وياسميناً، وعلى كل القلوب البيضاء سأعلق باقة من فل وبنفسج، سأمد ما بيني وبينكم جسور الكلمة التي ستصلني بكم وتصلنا بعالمنا.
اخترت أن يكون عنوان نافذتي هنا على صفحات هذه الصحيفة الغراء والتي أطل عليكم من خلالها ب(الأشرعة) لأنه اسم برنامجي الثقافي الأول ومشروعي الذي بدأت معكم به على شاشة الإخبارية وقد لمست أصداءه لديكم فآثرت أن يكون بوحي هنا امتداداً له، إضافة إلى أن الأشرعة هي رحلة الحياة من مرفأ لمرفأ.. والتي أحب أن أخوض غمارها بكم ومعكم.
***
كل عام وأنتم بألف خير..
توشك في هذه الأيام أشرعة الحجاج أن تودع هذه الديار التي كانت قصدتها لأداء مناسك الحج لمن استطاع سبيلا إلى هذا الركن العظيم.
بحمد الله وفضله ثم بجهود جنود هذا الوطن تكلل حج هذا العام بالنجاح واليسر.. ويبقى لهذه الديار قداسة منحها لها الله عز وجل مذ بوأ لإبراهيم مكان البيت فطهره للقائمين والركع السجود، ثم شاء سبحانه وتعالى بعد ذلك أن تنطلق من هذه الديار الدعوة المحمدية فجاءها نصر الله والفتح ودخل الناس أفواجاً في دين الله.
وحتى اللحظة.. وهذا البلد آمن.. أهله آمنون.. وزواره في أمن وطمأنينة..
الإسلام شريعة هذا البلد.. والرجل الذي أرسله الله بالحق صار أمة.. وقبل ما يزيد عن ألف وأربع مائة عام وفي مثل هذا المؤتمر الكبير كان لمحمد بن عبدالله بن عبدالمطلب وقفة.. وكانت خطبة الوداع.. ولنا فيها نهج حياة هذه الأرض تحفظ خطوه وقوله عن ظهر قلب.
يقول صلى الله عليه وسلم: اللهم هل بلغت؟
نردد: بلغت يا محمد.
لقد أكملت لنا ديننا
ورضيت لنا الإسلام دينا
اللهم قد بلغت..
وقد اجتمعت أمتك.. قصدت هذه الديار المقدسة تؤدي فريضة الحج.. أتى الناس من كل فج عميق يذكرون اسم الله وتلهج ألسنتهم بالدعاء لأهل هذه الأرض حكاماً ومسؤولين ومواطنين، على إحسانهم سقاية ورفادة الحجاج وسدانة بيت الله الحرام.
تلك الجموع توشك قوافلها على الرحيل، وقد آن لأشرعتهم أن تبدأ بهم رحلة العودة لديارهم موعودين بالمغفرة والعتق من النار، حجهم مبرور وسعيهم مشكور بإذن الله.
***
أما أنا.. سأكون إن شاء الله على موعد معكم..
فانتظروا بوحي كلما آن أوان الحرف.. ورحلة الإبحار والأشرعة.
من أسفار عبدالعزيز خوجة:
وأقول في نفسي،
ألا يا نفس: أين المنطلق؟
المركب الأبدي يجري في امتدادات النفق
هل يا ترى يمضي إلى ميناء أحلام الشراع
لا بد أن نرحل
وزادي للطريق على ملامحه الذبول
لم يبق من زادي القليل، ولا القليل
رباه أرجو رحمتك.
maysoonabubaker@yahoo.com