Al Jazirah NewsPaper Wednesday  10/12/2008 G Issue 13222
الاربعاء 12 ذو الحجة 1429   العدد  13222
التراث الجغرافي العربي: الحاجة إلى صيانة وصياغة
د. عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ

تقف أمام الفكر الجغرافي العربي- الإسلامي، وما يرتبط به من تراث تليد وعظيم الأنظار وتحار تجاهه الأفكار. وتتجاوز بمراحل الأسئلة المطروحة في هذا المجال الإجابات المقترحة والمضمنة في العديد من الأعمال البحثية.

حقق ذلكم التراث الجغرافي العربي من الغربيين أكثر من العرب أنفسهم، وأشهد الله أنني من ضمن المقصرين في إعطاء هذا الأمر ما يستحقه من عناية. ومن ناحية أخرى فقد أسهم غير الجغرافيين فيه بحثا وتحقيقا وعرضا أكثر من الجغرافيين أنفسهم.

من عدة سنوات (تحديدا في عام 1422هـ) استضاف مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الأخ والزميل الدكتور عبدلله بن يوسف الغنيم، الجغرافي والباحث في التراث الجغرافي، الذي ألقى محاضرة بعنوان: (نظرات في الفكر الجغرافي العربي).

وتناولت المحاضرة خمسة أمور، هي: تقويم الدراسات المتعلقة بالتراث العربي الجغرافي، وقضية إعادة نشر الكتب المحققة قديما، وإعادة تحقيق الكتب التي تم تحقيقها من عقدين من الزمان، مشاركة الجغرافيين في تحقيق النصوص العربية الموجودة في المكتبات الغربية، إضافة إلى تحقيق الخرائط العربية. من الأمثلة على الأعمال الغربية في مجال التراث الجغرافي الإسلامي "المقدمة" المتميزة التي كتبها المستشرق الفرنسي رينوه لكتاب (تقويم البلدان) لأبي الفداء والتي تقع في 450 صفحة، وهذا العمل لأبي الفداء دليل واضح على معرفة العرب بالجغرافيا الإقليمية والفلكية.

ومثال آخر يتمثل في مؤلف المستشرق الروسي كراتشوفسكي المعنون ب(تاريخ الأدب الجغرافي العربي)، والذي نشر بعد وفاته في عام 1975م، ويذكر د. الغنيم أن هذا العمل يعتبر أشمل كتاب صدر في منتصف القرن العشرين عن الجغرافيا العربية. وفي عام 1355ه نشرت دائرة المعارف العثمانية، في مدينة حيدر أباد الهندية، كتاب (الجماهر في معرفة الجواهر) لأبي ريحان البيروني في مجال الجغرافيا الاقتصادية.

أما محمد بن الحاسب الكرخي، من علماء القرن الخامس الهجري، فله كتاب (إنباط المياه الخفية)، وهذا الكتاب يختص بوسائل الاستدلال على وجود المياه واستخراجها من باطن الأرض. وتتضمن رسائل ابن عراض إلى البيروني خمس عشرة رسالة في الفلك، وأربعة بحوث عن الإسطرلاب وخطوط الطول ودوائر العرض وآخر عن كرية السماء. وفي عام 1967م صدر كتاب د. حسين مؤنس، مدير معهد الدراسات والبحوث الإسلامية في مدريد آنذاك، و يعتبر هذا العمل استكمالا لعمل كراتشوفسكي عن الجغرافيين العرب في الأندلس.

ويرى د. الغنيم أن أعمالا مثل هذه لم تعرف حداً فاصلا بين المؤرخ والجغرافي.

وللدكتور ناصرالرشيد رأي مغاير في هذا الموضوع، ويؤيده في ذلك الدكتور عبدالعزيز المانع، وكلا الأخوين زميلان من قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود، يذهبان إلى أن المعرفة العربية بشكل عام متداخلة، ويدللان على ذلك بتداخل اللغة والأدب والفقه والتاريخ والجغرافيا في كتاب (معجم البلدان) لياقوت الحموي، المحتوي على هذه الفنون جميعا، والتي يفسر بعضها الآخر ويؤيده، ومثال ذلك كتاب الجاحظ (البيان والتبيين) الذي يتضمن معلومات مكانية (جغرافية) لا حصر لها.

أما المحاضر فيستدل بكتاب (المسالك والممالك) لأبي عبيد البكري الذي احتوى على معلومات تاريخية أتت عرضا لا غرضا، ويقال مثل ذلك عن الكتب الأخرى في ميدان (علم البلدان).

ويرى الغنيم أن ما يأتي من معلومات جغرافية في كتب الأدب لا يضع مثل هذه الكتب في مصاف كتب الجغرافيا، فلا يعتبر كتاب (النبات) للأصمعي كتابا في الجغرافيا.

وأرى ذلك ينسحب على الأعمال الجغرافية ذات النكهة الأدبية، إلا أن البعض يحتج على ذلك بالقول بوجود ما هو متعارف عليه ب(الجغرافيا الأدبية).

ويدعو د. الغنيم إلى إعادة نشر الكتب التي أعيد تحقيقها في القرنين الماضيين والتي لا تزال متداولة ويرجع إليها الباحثون المحدثون، ومن أمثال ذلك كتاب (تقويم البلدان) لأبي الفداء المشار إليه آنفا.

ويضرب مثالا على كتابين مهمين هما: (معجم ما استعجم) للبكري و(معجم البلدان) لياقوت الحموي.

وتعتبر الاستدراكات التاريخية والجغرافية للشيخ حمد الجاسر، التي تمت على مدى نصف قرن من الزمان ونشر معظمها في مجلة العرب، موثقة ومعززة بدراسات ميدانية لتحقيق المواضع وأسماء الأماكن في المعجمين المذكورين.

وتلكم المحاضرة القيمة تلفت الانتباه إلى ضرورة تضافر الجهود المؤسسية، العلمية والبحثية لتتصدى للعناية بالتراث العربي الجغرافي ضمن المناحي الخمسة التي تناولها المحاضر وهي: التقويم العام للأعمال المتعلقة بالتراث العربي الجغرافي، وتحقيق الأعمال التراثية القديمة ونشرها، وإعادة النظر في الأعمال المحققة حديثا، ومشاركة الجغرافيين في تحقيق النصوص الجغرافية التي نشرت في أوروبا، والتي قام بها متخصصون غير جغرافيين، وتحقيق الخرائط العربية التي خلفها الجغرافيون العرب المسلمون. وهذه الأمور في غاية الطموح وترقى في مستوى طموحات عدد من المؤسسات العلمية الأكاديمية والبحثية.

ومن هذا المنبر أقترح إنشاء كرسي بحثي للتراث الجغرافي العربي، في واحدة من المؤسسات الأكاديمية أو البحثية في بلادنا، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد