هل لديك أدنى فكرة عزيزي القارئ عن ماذا تريد أن تحقق بعد عشر أو عشرين سنة؟؟
هذا السؤال طرحته إحدى الجامعات المتقدمة في الولايات المتحدة على مئة طالب، و3 % فقط جاوبوا على هذا السؤال أما البقية فلم يستطيعوا الإجابة، وبعد مرور عشرين سنة على هذه الدراسة وجدوا أن الـ 3 % الذين كان لديهم خطط مستقبلية طويلة الأمد ويعرفون في أي موقع يجب أن يكونوا أصبحوا قادة وزعماء ومشاهير وأغنى الأغنياء في العالم.
أما البقية الذين لم يجاوبوا فهم اليوم مجرد رقم في هذا الكم الهائل من البشر المغمورين غير المعروفين يأكلوا ليعيشوا ويناموا كي يستيقظوا على حياة فارغة بلا هدف أو طموح.
لم يعد التخطيط مجرد رفاهية وكلمة براقة ومصطلح جديد يتردد في أروقة الشركات والمؤسسات ولم يعد رسم الأهداف حكراً على العظماء والإداريين والمديرين التنفيذيين.. فهل ندرك؟.
أصبح التخطيط وصناعة الأهداف والسعي من أجلها حاجة في عالم لا يتسع إلى للمميزين فالكل يعيش في ماراثون للتميز والتفرد وتبوؤ المراتب الأولى والصفوف المتقدمة فالعالم بأكمله ينأى جانباً ليفسح الطريق لمن يعرف وجهته.
إن العظماء والفئة المؤثرة في المجتمع يضعون الأهداف ويبحثون عن الفرص ويؤكدون قول الحكيم حين قال (العظيم لا ينتهز الفرصة، بل يخلقها) هؤلاء يخططون ويكافحون ويسيرون وفي غالب الأمر يصلون وينجحون لتصبح قصصهم نِعماً وعطاءً من الله، أراد من خلاله أن يرينا أن لكل مجتهد نصيباً.
جرب عزيزي القارئ أن تسرح بخيالك وتتخيل نفسك بعد عشرين عاما من الآن .. ما الإنجازات التي تريد أن تحققها؟ وما الأشياء التي تريد أن تضيفها أو تلغيها من حياتك؟ أي وسام أو جائزة تريد الحصول عليها؟ وأسئلة كثيرة يجب أن تطرحها على نفسك اليوم وليس بعد عشر سنوات؛ لأنك حينها ستحتاج لعشر سنوات أخرى للإجابة عنها.
وجود هدف في حياتك تستيقظ كل صباح ساعياً له حالة جميلة تجعل حياتك أجمل وأغنى، فلا قيمة للحياة إن لم نجد شيئاً نناضل من أجله ونحيا لتحقيقه.
حكاية جراهام الرجل الانجليزي من أروع الحكايات والقصص التي قرأتها وبقيتُ في حالة لذيذة من الذهول والتعجب بعد قراءتها والتي سوف أنقلها لكم كما وردت في الكتاب الرائع (كيف أصبحوا عظماء).
(كان المستر جراهام مديراً لإحدى الجامعات البريطانية، في عام 1978م كان جراهام حينها قد بلغ الستين من عمره، ولذلك لا بد أن يحال إلى التقاعد ويترك العمل في الجامعة، وبهذه المناسبة فإن الجامعة نظمت لمديرها السابق المستر جراهام حفلاً وداعياً دُعي له العمداء وأساتذة الجامعة والشخصيات التربوية، وفي يوم الحفل والذي كان مكتظاً بالأساتذة الأكاديميين، وبعض الشخصيات التربوية البارزة، دُعي المستر جراهام لإلقاء كلمة، كعادة مثل هذه الاحتفالات.
صعد المستر جراهام إلى خشبة المسرح الكبير، ووقف أمام الميكروفون بكل ثقة الدنيا وقال: وضعت لنفسي عشرين هدفاً لا بد أن أحققها خلال العشر سنوات القادمة وما إن قال ذلك حتى كثر الهمس والابتسامات الساخرة من بعض الحضور وأكمل المستر جراهام حديثه بكل ثقة فقال: الهدف الأول: أريد بيتاً مساحته عشرة آلاف متر مربع، والهدف الثاني: أريد تذاكر سفر لمدة عشر سنوات قادمة.. أريدها لبناتي الثلاث وأزواجهن وأطفالهم؛ لكي تزورني كل بنت منهم مع زوجها وأطفالها ثلاثة أشهر بالسنة..
الهدف الثالث... ثم عد مستر جراهام ثمانية عشر هدفا أخرى يسعى لتحقيقها.
وبعد عام واحد فقط، أي عام 1979م تولت تاتشر رئاسة الوزراء في بريطانيا، فشكلت وزارة جديدة كعادة الساسة الذين يتولون هذا المنصب، وكان من ضمن الناس الذين استدعتهم تاتشر بعد توليها لمنصبها هو المستر جراهام، وذلك لتعيينه مستشاراً لسياسة الجامعات البريطانية، آملةً أن يقوم بإصلاح التعليم وتطويره.
رفض المستر جراهام العرض المغري معتذراً بأهدافه العشرين التي لم يحققها مؤكداً أن هذا المنصب سيمنعه عن تحقيق أهدافه، فقال: (هذا العمل سيأخذ الكثير من وقتي، ولابد أن أفكر بتحقيق أهدافي قبل أن أفكر بتحقيق أهداف الآخرين، إنك يا سيدة تاتشر إن حققتِ لي هذه الأهداف فأنا لا أمانع من أن أتولى هذا المنصب).
فقالت السيدة تاتشر: ما أهدافك، هل أستطيع أن أسمعها منك؟
فقال المستر جراهام: الهدف الأول: بيت مساحته عشرة آلاف متر مربع،
والهدف الثاني.. والهدف الثالث... وهكذا حتى استعرض أهدافه العشرين كلها.
قالت تاتشر: لا مانع عندي أن أحقق جميع أهدافك العشرين، ولكن على شرط واحد، أن ترجع ملكية البيت بعد موتك إلى الدولة البريطانية.
وافق المستر جراهام على هذا، وتولى منصبه الجديد، مستشاراً لسياسة الجامعات البريطانية، وحقق أهدافه العشرين وأصبح يتملك بيتا في قلاسكو في اسكتلندا مساحته أثنى عشر ألف متر.
ويأتي عام 1991م وتُقال وزارة تاتشر، ويُقال مستشاريها ليخلو المكان لرئيس وزراء جديد بوزراء واستشاريين جدد، لقد كان المستر جراهام أحد المقالين من منصبهم.
قرر مديرو الجامعات البريطانية عمل احتفال لتوديع المستر جراهام الذي بلغ الثانية والسبعين من عمره، كانت هناك كلمة للمستر جراهام في هذه الحفلة الوداعية قال فيها:
وضعت لنفسي عشرين هدفاً أسعى لتحقيقها في السنوات العشر القادمة - الناس في القاعة ما بين منبهر وساخر ومبتسم- أكمل المستر جراهام حديثه كالعادة بثقة ملحوظة، الهدف الأول: أسعى لتأسيس مركز اتصالات سيكون الأول والأقوى في العالم، والهدف الثاني... والهدف الثالث، لقد أعلن المستر جراهام مخططاته لهذا المركز عام 1991م ثم مضى زمن لم يلتفت أحدٌ له ولا لمخططاته، وبعد بضع سنوات من حفلته تلك خصصت بريطانيا للمستر جراهام جزيرة ينفذ بها حلمه ويقيم بها مركزه، لقد خرجت الأحلام من رأس حاملها إلى أرض الواقع، لقد شُيِّد المبنى وأصبح الحلم حقيقة لا مراء فيها).
جراهام رجل ألهم المجتمع البريطاني والعالم أجمع بخططه الجبارة وإرادته التي لا تعرف اليأس وطموحه الذي لا يشيخ.
من أهم العناصر التي يجب توفرها في خطتك لتحقيق أهدافك والتي يؤكدها المتخصصون في تطوير الذات وصناعة الأهداف هي أن يكون الهدف واضحا ومحدد الوقت كأن تقول (أريد أن أفتح مطعم العام القادم) فلا تجعل الهدف مفتوح المدة أبدا فإن ذلك يجلب التراخي والإهمال.
كما يجب أن يكون الهدف فيه تحدي للذات ورغبة في تحقيقها فكما يقال: (عندما تبدأ معركة الإنسان بينه وبين نفسه فهو عندئذ شخص يستحق الذكر).
أخيراً.. بما أننا مقبلون على سنة جديدة أدعو الجميع لوضع خطة وأهداف تتوافق وتنساب مع ميولك.
أهدافك للعام القادم، دونها وعلقها أمامك ثم شاهدها وهي تتحقق في العام القادم.. عزيزي القارئ إنها فعلا تجربة تستحق المحاولة وإذا لم يكن أنت، فمن إذن؟ وإذا لم يكن الآن، إذن متى؟!.