قال العلامة الراحل الشيخ حمد الجاسر في الجزء الأول من كتابه (رحلات حمد الجاسر للبحث عن التراث): وكنت قد بدأت بدراسة كتب الرحلات المتعلقة بالحج مما استطعت الحصول عليه فرأيت في تلك الكتب من المعلومات المتنوعة عن تاريخ بلادنا وجغرافيتها ومختلف أحوالها ما لا يوجد في غيرها من المؤلفات.
قلت: هذا ما قاله الشيخ حمد الجاسر، وهو كلام نفيس، وتكمن قيمته في أن الشيخ الجاسر من أكثر العلماء المعاصرين قراءة وبحثاً ونشراً لكتب رحلات الحج، فهو خبير وقارئ جيد ومتمكن من فنه.
هذه الكلمة العظيمة تؤكد على أهمية موضوع سبق وأن كتبت فيه، وسبقني إليه من دون شك آخرون من المهتمين بموضوع الرحلات، ألا وهو ضرورة جرد المطبوع من كتب الرحلات إلى الحج وفهرستها فهرسة دقيقة ومن ثم طبع كشاف دقيق لهذه الرحلات يحوي الأعلام الواردين والمناطق والبلدان والكتب وغير ذلك من رؤوس الموضوعات لأنه من الصعب أن يقتني باحث كل ما نشر من كتب رحلات الحج.
ولعله لا يخفى على أحد الدور الكبير الذي تؤديه كتب الرحلات في حفظ تاريخ بلادنا وبخاصة غربي الجزيرة العربية المتمثل في كل من (مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وجدة، والطائف) وغيرها.
وليست مبالغا اذا قلت: إن بعض كتب الرحلات حفظت لنا نقولاونصوصا لا توجد في غيرها ويكفي في التأكيد على هذا الامر أن يرجع الباحث إلى مثل الكتاب العظيم الذي ألفه العالم المغربي ابن رشيد الفهري وهو من علماء القرن الثامن الهجري في رحلته الشهيرة التي أسماها (ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة).
فقد حوى هذا الكتاب الكثير والكثير من التراجم والمرويات والأخبار التي قد انفرد ببعضها من دون شك، وأما الباحث المعني بالمواضع فإن هذه الكتب هي بغيته وطلبه الاول إذ إن الكثير من الرحالة لا يتجاوزون موضعاً في رحلاتهم إلا ويتحدثون عنه واسمه ومن كان يسكنه مع تفصيلات في غاية الأهمية قد لا يكتبها أهل البلد أنفسهم، وهذا الأمر ليس فيه أدنى مبالغة، وهو أن الرحالة يكون متحمساً لتسجيل المعلومات عن أي بلد يزوره دون أدنى تفريق بين مهم وغير مهم فيحظى بتسجيل معلومات قد يزهد فيها أهل البلد أنفسهم لكثرة مرورهم بها وتعودهم عليها وعلى هذا لو انبرى أحد مراكزنا البحثية وتولى وضع كشاف دقيق يحوي في فروعه رصدا دقيقا لكتب الرحلات في جوانب عدة، مثل: أسماء البلدان بشكل دقيق، ثم اسماء ببقية المواضع مثل الوديان والصحاري وموارد الماء ومنابت العشب وإقامة الناس، ثم تلا ذلك حديث عن الكتب التي يستشهد بها الرحالة لمعرفة مصادرهم التي عليها اعتمدوا في الحديث عن بلدان الجزيرة العربية، ومن أهم ما يجب أن يكون في هذا الفهرس فهرس بالمصطلحات والكلمات الغريبة إضافة إلى فهارس الأشعار الواردة لأنهم يستشهدون بالشعر في الحديث عن البلدان غالباً، مما يفيد في تفسير الشعر لدى كل باحث، ومن فوائد هذا الكشاف أن الباحث يقدم على اقتناء ما يفيده من الكتب والرحلات حتى تكون أبحاثه عن البلدان أكثر دقة وأكثر مراجع مما يؤذن بدراسات أعلى وأقوى وأكثر خدمة للأجيال القادمة، فلعل الله ييسر ذلك قريباً.