حينما نتأمل ملامح هذا اليوم العظيم، نرى كيف يكون جمال الأيام العظمى وجلالها، وكيف تكون ملامح الحسن التي تحقق قول الشاعر: |
|
|
يوم عرفة خير يوم طلعت عليه الشمس، يوم تقترب فيه تضاريس الأرض من السماء، وتقترب فيه قلوب العباد المؤمنين من ربهم الأعلى الذي يفيض من رحماته على عباده في هذا اليوم المبارك ما لا يخطر لهم على بال. |
يوم عرفة الذي تجتمع فيه آلاف مؤلفة من المقبلين على ربهم متجردين من زينتهم، متجملين بالخضوع والخشوع وملابس الإحرام، ملبين تلبية تهزُّ الكون كلَّه، رافعين أيديهم يستمطرون بدعائهم شآبيب رحمة ربهم - سبحانه وتعالى - يوم عرفة الذي ينظر إليه ربُّ العالمين فيرضيه ما يرى من ذلك الوقوف المهيب، وما يسمع من ذلك الدعاء المفعم بالإخلاص، ومن ذلك الرجاء المشحون باليقين، فيمنح وهو المعطي المتفضل، أعظم جائزة يمكن أن يحصل عليها الإنسان في هذه الدنيا، وفي الآخرة، جائزة المغفرة والرحمة التي لا تساوي عندها الدنيا كلها وزخارفها وبهرجها شيئاً. يغفر الله سبحانه وتعالى لأهل الموقف المخلصين الصادقين الذين لم يرفثوا ولم يفسقوا ولم يقصدوا بحجهم المضاهاة والمباهاة، وإنما قصدوا به وجه الله عز وجل، يغفر لهم، ويضع عنهم أوزار ذنوبهم وخطاياهم ويغسلهم من أوضارها وأدرانها حتى يعود أحدهم من حجِّه كيوم ولدته أمه. |
يوم عرفة الذي يعمُّ نفعه العظيم الحجاج وغير الحجاج، فنفعه يتعدى الواقفين بعرفة إلى أولئك المسلمين الصائمين المكبرين الذاكرين في مشارق الأرض ومغاربها، أو ليس هو اليوم الذي بشر الرسول صلى الله عليه وسلم من صامه بمغفرة عظيمة شاملة لمساحة زمنية تمتد إلى أربعة وعشرين شهراً مقسومة قسمين متساويين، أحدهما قبل يوم عرفة وثانيهما بعده، فقد احتسب عليه الصلاة والسلام لمن صام يوم عرفة وأكثر فيه من الذكر والدعاء من غير الحجاج أن يغفر لهم السنة التي قبله والسنة التي بعده. |
ألم أقل لكم - أيها الأحبة - إنه يوم عظيم؟ يوم يستحق أن نجعله بوَّابتنا الكبيرة للتوبة والأوبة والصيام والقيام والذكر والدعاء؟؟ |
إنه يوم خير وفضل على الحاج وغير الحاج، فلماذا لا يكون يوماً عظيماً؟. |
إنه الإسلام دين الخير والفضل والنعمة للناس أجمعين، دين العدل والإنصاف والمساواة المنصفة، فقد صحح هذا الدين العظيم خطأ كبيراً كان يرتكبه كفَّار قريش قبل الإسلام، وهو خطأ مرتبط بيوم عرفة، فلقد كانت قريش تسمَّى (الحِمْس) وكانت تتعالى على الناس فهي لا تصعد معهم إلى عرصات عرفات الطاهرة، وإنما تبقى في مزدلفة، ويصعد الناس جميعاً من غير قريش إلى عرفة، ثم يفيضون منها ويعودون إلى قريش في مزدلفة، فتفيض هي معهم إلى منى، فلما جاء الإسلام أبطل هذه العادة الجاهلية القائمة على التمييز بين الناس، فأمر الله قريشاً بأن تفيض من حيث أفاض الناس، ونزلت آيات قرآنية كريمة على خاتم الأنبياء محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم تؤكد هذا الأمر {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}. |
ولهذا قال المطعم بن عدي وهو من كبار قريش: كنت في يوم عرفة في حجة الوداع أبحث عن إبل أضللتها في عرفة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً مع جموع الحجيج في صعيد عرفة، فقلت في نفسي: ما بال محمدٍ وهو من قريش يقف مع الناس هذا الموقف؟! |
ثم علمت أن ذلك أمر الله، وأن الناس سواسية لا فرق بين عربي ولا أعجمي، ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى.إنها عرفات الخير يا أهل الخير. |
|
ومن المواقف ما يكون مكرَّما |
ويكون أجزل في الثواب وأعظما |
www.awfaz.com |
|